يدور في فلك التشكيل الحكومي صراعٌ من نوع آخر، مختلف عن نزاع الحقائب الوزارية، هو أرثوذكسي على منصب نائب رئيس الحكومة المقبلة، الذي كان يشغله حزب القوات اللبنانية بشخص وزير الصحة غسان حاصباني في حكومة تصريف الأعمال.
واليوم يتمحور الكباش على منصب الطائفة الأرثوذكسية في مجلس الوزراء بين جبهتين مسيحيتَين هما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولا يخفي الأول نيته بمصادرة هذا المنصب وإن كان قد حصل على منصب نائب رئيس مجلس النواب بتسوية سياسية أبعدت الأول وعزلته.
يتردد في الصالونات السياسية اسم النائب الياس بو صعب بقوة لتبوّؤ منصب نائب رئيس الحكومة، وفي المقابل بدأ يتسرب من الصالونات نفسها أن هذا المنصب سيوكل لرئيس الجمهورية الذي من المتوقع أن يوزّر النائب السابق عصام فارس من حصته ويطالب بمنصب نائب رئاسة الحكومة له.
لكن هذا المنصب الذي تطفو أزمته بلا صلاحيات، وفقاً للخبير القانوني المحامي ماجد فياض، الذي يؤكد أن "دوره محصور بالصلاحيات التي يوليها عليه رئيس مجلس الوزراء في ما إذا أوكله، وذلك لأنه كان يُفترض أن يحكم وجود نائب رئيس الحكومة وصلاحياته النظام الداخلي لمجلس الوزراء الذي لم يتم الاتفاق عليه حتى تاريخه".
وبذلك يصبح هذا الموقع منصباً تشريفيا يستجيب لحاجات نظام الديمقراطية التوافقية الطائفية المذهبية القائم في لبنان والذي توزع فيه مناصب المسؤولية الرسمية الكبرى في الدولة بحسب الطوائف. بالتالي لم يتم استخدام اية صلاحيات منوطة به بسبب ما يرتبه النظام السياسي القائم من قيود في هذا الشأن، إذ تتمسك كل طائفة بالصلاحيات المنوطة بالمنصب الذي تشغله ويصبح من المتعذر قيام نائب الرئيس بما يوليه إياه منطق الامور، بحسب فياض.
تقنياً، لا يتم انتخاب نائب رئيس مجلس الوزراء، بحسب فياض، بل يتم تعيينه في مرسوم تشكيل الوزارة الذي يصدر عن رئيس الجمهورية بعد أن يتقدم رئيس الحكومة المكلف إليه بالتشكيلة الوزارية بعد توافقهما عليها، وعلى هوية من يشغل مراكز المسؤولية فيها بما فيها منصب نائب رئيس الحكومة. وذلك استنادا للبند 4 من المادة 53 من الدستور.
وتنص على صلاحيات رئيس الجمهورية المتعلقة بإصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الحكومة. لكن نائب رئيس مجلس الوزراء يبقى بالتأكيد وزيراً كسائر زملائه، له الصلاحيات ذاتها داخل المجلس سواء تولى حقيبة وزارية أو كان وزير دولة.
ولا يرى فياض أن تعيين هذا الموقع له علاقة بأي توافق مسبق بين الكتل النيابية بل يكون منحصرا برمته بين رئيسي الحكومة والجمهورية، ولا دور للكتل النيابية أو الجماعات السياسية إلا من قبيل الاستئناس برأيها والحسابات السياسية التي ترافق ذلك. الأمر الذي يجعل من الصراع على هذا المنصب أخف شراسة منه على منصب رئيس مجلس النواب.
من جهة أخرى، بدا لافتا في فترة تشكيل الحكومة غياب مطالبة القوات اللبنانية بمنصب نائب رئيس الحكومة، وعدم تسويقه لأي مرشح لهذا المنصب على غرار ما فعلوه في انتخاب نائب رئيس مجلس النواب، ما استدعى إلى اتهام القوات بالاستسلام لطموحات الوطني الحر التوسعية.
رئيس جهاز الإعلام في القوات اللبنانية شارل جبور يؤكد لـ"ليبانون ديبايت" أن كتلة "الجمهورية القوية" لم تطالب خلال لقائها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء، بل وضعت مطالبها من الوزارات التي تفضل وجودها في حكومة الحريري، ولم تدخل بالتسميات لأنها على حد تعبير جبور "ليست في مرحلة تحد وشروط مسبقة".
ويكشف جبور عن أن حزب القوات عندما آل إليه هذا المنصب في حكومة تصريف الأعمال، كان نتيجة تعذّر حصول القوات على حقيبة سيادية، فاستُبدلت الأخيرة بمنصب نائب رئيس الحكومة بالاتفاق بين القوات ورئيس الجمهورية ميشال عون انطلاقا من التفاهم بين الحزب والتيار الوطني الحر.
ولا يستبعد حصول تسوية من نفس النوع في الحكومة المقبلة. ورداً على سؤال متعلق بالتخلي عن منصب نائب رئيس الحكومة مقابل الحصول على وزارة سيادية أو العكس، يقول جبور " كله خاضع للنقاش، ونحن فريق إيجابي وجزء أساسي من التسوية القائمة وجزء لا يتجزأ منها، وحريصون على الحوار البناء مع كل القوى السياسية".
وتصرّ كتلة القوات على أن تكون ممثلة بأفضل وجه ممكن في الحكومة المقبلة، من موقع نيابة الرئاسة او موقع حقيبة سيادية، لا سيما "أننا نعتبر أنفسنا بموقع نيابة الرئاسة لدينا موقع ارثوذكسي متقدم داخل الحزب، كالنواب أنيس نصار، وسيزار معلوف، ووهبي قاطيشا، وعماد واكيم، وفادي كرم، فضلا عن أننا قوة توازن"، وفقاً لجبور.