مع كل إستحقاق حكومي ، يعود الحديث عن موضوع فصل النيابة عن الوزارة في لبنان ، لما يحمله هذا الموضوع من إثارة وريبة في نفس الوقت لدى العديد من القوى السياسية .
هذا الموضوع دائماً ما يتم وضعه في إطار الإصلاح للنظام السياسي اللبناني وتكريس مفهوم الفصل بين السلطات الثلاث ، فهو بالتالي يأتي في سياق إصلاحي ذات بعد تغييري لآلية عمل النظام والسلوك السياسي للأحزاب الحاكمة ، وإنقلاب جذري على الثقافة السياسية اللبنانية بشكل عام .
ويتسلّح المطالبون بالفصل بحجّة أنّه يقطع الطريق أولاً أمام إستغلال " النائب الوزير " لخدمات وزارته لغايات شخصية وإنتخابية ، وبأن الشخص الواحد لا يمكن أن يحمل بطيختين في يد واحدة ، بمعنى أنّه لا يمكنه القيام بمهامه التشريعية والتنفيذية في آنٍ معاً، ويكافح الفساد.
وإن كان مفهوم النائب في لبنان يشوبه العديد من العيوب ، كونه يضرب مفهوم نائب الأمة اللبنانية جمعاء وتحوّله إلى نائب عن المنطقة أو الحزب أو الطائفة ،وكون مهامه لا تمت بصلة للعمل التشريعي وخلق القوانين ، بل تقتصر نشاطاته على تقبل التعازي وحضور المناسبات الإجتماعية وتقديم خدمات لجماعته ، مع بعض الإستثناءات التي تطال بعض النواب ، فإن الأمر يزداد عيباً عندما يجمع منصبه كنائب مع وظيفة الوزارة ، حيث سيجيّر حينها خدمات الوزارة لغاياته الشخصية والحزبية والمناطقية والإنتخابية إلخ, وسيبني زعامته الخاصة داخل التنظيم ما سيخلق ما يعرف ب " صراع الأجنحة " داخل التنظيم الواحد وبالتالي يضعفه ويضعف كلمة قائد التنظيم الأعلى.
لذلك ، فإن الفصل بين النيابة والوزارة هو مدخل أساسي للإصلاح الجدّي والجذري في النظام اللبناني ، لنصل إلى شاطىء أمان الدولة القوية , وإن كانت بعض الدول المتقدمة لا زالت تعتمده إلا أن ما يجوز في تلك الدول ليس بالضرورة أن ينجح في لبنان كالفيدرالية مثلا التي نجحت في أميركا , ولو طبقت في لبنان لأدت إلى حرب أهلية .
إقرأ أيضا : تكريس أعراف جديدة ... المالية للشيعة وحصّة حكومية خاصة لرئيسي الجمهورية والحكومة
لكن الجمع بين المنصبين ليس مُخالفاً للدستور ، فقد نصّت المادة ٢٨ ( المعدلة بالقانون الدستوري الصادر ١٧/١٠/١٩٢٧ والمعدلة بالقانون الدستوري الصادر في ٨/٥/١٩٢٩ ) على ما يلي :
" يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة . أما الوزراء فيجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما ".
ويستند المتمسّكون بالجمع بين الوظيفتين بهذه المادة الدستورية للحفاظ على مناصبهم .
لكن رغم دستورية المطلب ، هناك منطق سياسي وعلمي يقول أن الفصل بين النيابة والوزارة يُشكِّل معياراً لقوّة التنظيم السياسي ( حزب ، حركة ، تيّار ...) أو ضعفه .
فهو يعكس غنى التنظيم بالكوادر وعدم شخصنة التنظيم وتحديد مصير التنظيم بشخص واحد يحمل هموم الطائفة وقدر التنظيم .
وعندما يُرشِّح أن تنظيم عدّة وزراء من خارج كتلته النيابية ، فهو يُعطي إنطباعاً بأنّه تنظيم ديمقراطي أولاً وتنظيم قوي غني بالكوادر بالدرجة الثانية .
أمّا عندما يحصل العكس ، فهو يُوحي إلى ضعفه وتآكله وهريانه من الداخل وديكتاتوريته المقنّعة وإن كان يمتلك كتلة نيابية وازنة .
فما قيمة هذه الكتلة النيابية الوازنة وهي عاجزة عن تأمين ٣ أو ٤ وزراء من خارجها ؟!
وفي الإستحقاق الحكومي اليوم ، هناك إلتزام بمبدأ فصل النيابة عن الوزارة من " حزب الله " و " القوات اللبنانية " و " تيار المستقبل "، فيما تراجعت بعض الأحزاب التي كانت تدّعي القوة عن وعودها الإنتخابية أو بعض الإيحاءات في فترة الإنتخابات .
وهذا كافي لإعطاء إنطباع أوّلي عن أقوى الأحزاب في لبنان حالياً وأغناها بالكوادر .