بدأت أصوات نواب أميركيين تلقي اللوم على «أوبك» بأنها رفعت أسعار النفط. وقد طلب السيناتور الديموقراطي شاك شومر من الرئيس دونالد ترامب إرسال وزير الطاقة الأميركي الى مؤتمر «أوبك» في فيينا في ٢٢ حزيران (يونيو) لمعالجة قضية أسعار النفط.
كالعادة، كلما طرأت زيادة قليلة في مستوى أسعار النفط يعود الأميركيون الى إلقاء اللوم على «أوبك»، في حين أن أميركا اليوم هي أكبر سوق مستهلكة وأصبحت تنتج ما يكفيها من النفط مع زيادات النفط الصخري التي اكتشفت في الولايات المتحدة في السنوات الماضية عندما ارتفعت أسعار النفط. فاندفعت الشركات الكبرى والصغرى الى التنقيب والاستكشاف أينما كان في أميركا.
والآن وقد بدأ الصيف وموسم السياحة في أميركا مع زيادة قيادة السيارات، عادت موضة إلقاء اللوم على دول «أوبك». في حين أن وزير النفط السعودي خالد الفالح أعلن مع نظيره الروسي ألكساندر نوفاك أن الفائض النفطي في المخزون العالمي قد أزيل وأن دول «أوبك» وتلك المنتجة خارج أوبك الـ٢٤ والتي كانت خفضت إنتاجها ١٫٨ مليون برميل في اليوم، قد تعيد النظر في هذا القرار تدريجياً للتعويض عن الكميات النفطية الإيرانية والفنزويلية التي ستفقدها السوق بسبب العقوبات الأميركية. فور إعلان هذه الإشارة التي أعطاها الفالح، انخفض سعر برميل النفط في السوق الأميركية بحوالى دولارين، وفي سوق لندن حيث انخفضت أسعار البرنت المستقبلية أكثر من دولار.
الفالح ونظيره الروسي أعلنا في سان بطرسبورغ أن بإمكان «أوبك» والدول المنتجة خارجها النظر في العودة الى زيادة إنتاج في الربع الثاني من السنة، علماً أن لجنة المراقبة لـ «أوبك» كانت أوصت في اجتماعها في ٢٥ أيار (مايو) بأن تخفيض ١٫٨ مليون برميل في اليوم سيمتد ستة أشهر قادمة أي نهاية السنة. وكان ذلك قرار «أوبك» الأخير، في مؤتمرها الأخير في كانون الأول (ديسمبر) من السنة الماضية. لكن، لم يكن عندذاك قد صدر القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العقوبات على إيران والآن على فنزويلا.
عندما خفضت «أوبك» والدول خارجها إنتاجها، تحسنت أسعار النفط وعائدات المنتجين ولكنها لم تبلغ مستويات غير مقبولة. فكانت باستمرار بين ٧٠ و ٧٨ دولاراً للبرميل، ولم تصل الى المستويات التي تؤثر سلباً في اقتصاد العالم. ورغم ذلك، عادت أميركا الى عادتها القديمة في إلقاء اللوم على دول «أوبك» حتى أن نائباً من حزب ترامب هي ليزا موركوفسكي التي ترأس لجنة الطاقة قالت إن تخفيض إنتاج «أوبك» رفع الأسعار وتنبغي معالجته.
إن تاريخ الـ «أوبك» شهد مرات عدة لوماً وتدخلاً أميركيين من هذا النوع. حتى أن في أواخر التسعينات، اتصل وزير الطاقة الأميركي حينذاك بيل ريتشاردسون برئيس «أوبك» حينها، وكان عبدالله حمد العطية وزير النفط القطري، خلال المؤتمر ليطلب منه أن تعمد المنظمة الى تخفيض الأسعار. لكن الآن وأميركا تباهت منذ بضع سنوات باستقلاليتها النفطية، ولو أنها ما زالت تستورد كميات قليلة من النفط السعودي، فالسؤال يعود عن سبب هذا اللوم؟ وتاريخ السعودية هو في الحفاظ المستمر على استقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي. و «أوبك» لم تتخذ قراراتها ولن تتخذها، إلا بعد دراسة دقيقة لأسس السوق مع وضع العرض والطلب فيها. وقد خفضت الإنتاج في ٢٠١٧ لأن السوق العالمية شهدت فائضاً نفطياً كبيراً كان ينبغي أن تزيله. وقد نجحت في ذلك بإشراك ١٣ دولة من خارجها، أهمها روسيا، الى أن تحسنت أسعار النفط بعد أن وصل سعر البرميل الى الثلاثينات. فواقع الحال، إذا زادت مجموعة الدول الـ٢٤ إنتاجها سيكون ذلك تماشياً مع مبدأ تلبية الطلب على النفط وعدم حدوث نقص يعيد أسعار النفط الى مئة دولار للبرميل ويعيد دورة الإسراع في إنتاج النفط الصخري في أميركا لمنافسة نفوط منتجين آخرين وإعادة الفائض الى ما كان عندما انخفضت أسعار النفط انخفاضاً كبيراً. لذا، على مجموعة الدول الـ٢٤ أن تنظر بحذر الى أوضاع السوق، لتقييم ماذا ينبغي أن تزيده من إنتاج كي لا تنخفض عائدات الدول المنتجة التي تتشارك في الحاجة اليها.