ليس هناك حرب من دون غنائم، ولا يخرج جندي الى القتال من دون ان يتلقى وعداً بغنيمة . ذلك هو قانون الحرب وشرطها اللازم وتاريخها الدائم، الذي لا يميز بين شعب وآخر، بين حضارة وأخرى، بين ماضٍ وحاضر.
الجدل حول ظاهرة التعفيش في سوريا الذي تصاعد مؤخرا بعدما جرّد جنود الجيش السوري بيوت مخيم اليرموك ومدن وبلدات ريف دمشق الجنوبي من محتوياتها، يثير الحيرة فعلاً. لا يعقل أن يكون هناك جهل في قانون الحرب وعقيدة السلاح ومذهب المحارب، أو أن يكون هناك خلل في فهم طبيعة ذلك الجيش المتهم بالتعفيش وفي تكوينه وتجربته منذ التأسيس وحتى اليوم. ولا يجوز أن يكون هناك إنكار لحقيقة ان تلك الظاهرة لا تقتصر على جيش النظام، بل هي سلوك مسجل بإسم مختلف مليشيات المعارضة السورية المسلحة. ولا يمكن ان يكون السبب في تسليط الضوء على التعفيش اليوم هو أنه يستهدف واحداً من أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يضم أقوى التنظيمات والجماعات الفلسطينية المؤيدة للنظام السوري والمشاركة في معظم معاركه.
الجدل محير لأنه لم يلتقط حتى الآن الاشارات الواضحة التي ترسلها تجربة التعفيش الاخيرة. ثمة جيش تتولى روسيا تنظيمه وتسليحه وتأهيله وتغطية جميع جبهاته، على أمل أن يكون أو بالاحرى ان يظل ركيزة النظام وعنوان وحدة سوريا،يظهر مرة أخرى أنه عديم الانضباط والالتزام والاخلاق، فيضطر الجنود الروس الى التدخل لمعاقبته بطريقة مهينة، تفقده ما تبقى له من مهابة وإحترام لدى جمهوره وفي بيئته.. وما يقدر له من دور في مستقبل سوريا.
الجدل ناقص ، لأنه لم يتطرق حتى الآن الى تجربة ذلك الجيش بالذات التي أمتدت نحو ثلاثة عقود في لبنان. لم يطرح أي سوري على نفسه ذلك السؤال، ربما لأنه كان هناك تواطوء عام مع سلوك قوات الردع السورية على الاراضي اللبنانية، او كان هناك خوف او تردد في فتح ذلك النقاش في سوريا. المهم أن أصوات الادانة السورية لوجود الجيش السوري ولدوره في لبنان كانت خافتة، او مكتومة، في ظل الحرب الاهلية اللبنانية التي كان إخمادها يسمو على أي هدف، ويعلو على أي بحث.
لكن المهمة التي انتدبت "سوريا الاسد" نفسها لها طالت أكثر بكثير مما ينبغي، وقاومت الكثير الكثير من الضغوط العربية والدولية لإنهائها، قبل ان تختم بسرعة دراماتيكية في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 ، بعدما طفح الكيل اللبناني، وإختل الميزان السوري.. وتطور "التعفيش" من مصادرة منازل وممتلكات ومقتنيات بناء على خرائط إنتشار عسكرية تحكمها قواعد الاشتباك مع العدو (الاسرائيلي او الفلسطيني او اليساري اللبناني)، الى عقيدة سياسية تعتبر لبنان كله مغنماً ومنجماً، يرفد "الاقتصاد العسكري السوري" لاسيما في السنوات الاخيرة التي سبقت الانسحاب من الاراضي اللبنانية بما يصل الى ملياري دولار سنويا، حسب تقديرات منظمات وأجهزة دولية رصينة ودقيقة جدا.
والتاريخ شاهد على اسماء كبار الضباط السوريين وصغارهم الذين أنهوا خدمتهم في لبنان بثروات طائلة، وتوسعت أملاكهم في سوريا الى حدود خيالية، كما تراكمت أرصدتهم في البنوك اللبنانية والعالمية الى أرقام فلكية، ولم يكشف منها حتى الان سوى أرصدة وأملاك بعض الضباط مثل غازي كنعان ورستم غزالي.. وكان للشركاء اللبنانيين دور في إخفاء هذه الاسرار ، ولا يزال..لا سيما وأن معظمهم، كان مشجعاً ومساهماً في ذلك النوع من التعفيش الراقي، الذي لم يشعر به مباشرة ذوي الدخل المحدود في لبنان او في سوريا.
لكنه يبقى تعفيشاً قرره نظام ونفذه جيش وتواطأ معه لبنانيون كثر. والمؤكد أنه لم يكن مجرد هامش في الذاكرة السورية اللبنانية المشتركة.