اللقاءاتُ والاتّصالات التي تكرّرت بعد إنجاز الانتخابات النيابية، وكذلك بعد انتخابات رئاسة المجلس واستشارات التكليف الحكومي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أظهرت بشائرَ حلحلة سياسية أخيراً على مستوى العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» التي كانت تدهورت قبيل الانتخابات بفعل بعض الانتقادات اللاذعة التي وجّهها رئيس التيار الوزير جبران باسيل الى بري.
ولكن يبدو أنّ حقيبة وزارة المال في الحكومة العتيدة قد تحدّ ما اعتُبر «اتّفاقاً بعيد المدى» وستؤدّي إلى تقصيرعمره، واقتصاره على تسوية الليل التي «طيّرت» النائبَ القوّاتي فادي سعد من منصب أمانة سرّ المجلس النيابي إذ استُبدِل بالنائب آلان عون، مشفوعاً بتصويتِ عددٍ «حرزان» من نواب «لبنان القوي» مؤيّدين بري في رئاسة المجلس الجديد.
بري الذي يعتبر كثيرون أنه «صديقُ» الجميع ولا «يأكل حقّ حدا»، دلّ في تأكيده أخيراً أنّ «وزارة المال هي للطائفة الشيعية» على أنه لن يتخلّى عنها «كرمال حدا»، خصوصاً أنه يعتبر أنّ «هذا الموضوع قديم الزمن ومعتمَد منذ التوصّل الى اتّفاق الطائف مباشرة».
عَبَر باسيل استحقاقَ انتخابات هيئة مكتب المجلس النيابي حيث كانت معركة «التيار الوطني الحر» فيها مع «القوات» وليس مع بري، و»هيك هيك بري طالع» يُمكن التصويتُ له التزاماً بـ»الميثاقية» وبالتالي إخراج «القوات» من مكتب المجلس و»تلقينها درساً» في الإستحقاق السلطوي الأوّل بعد الانتخابات النيابية وإيصال رسالة الى مَن يعنيهم الأمر مفادها أنّ «التسوياتِ تحكم».
أما في الاستحقاق التالي، أي استحقاق تأليف الحكومة، فإنّ معركة باسيل و«التيار» لن تكون مقتصرة على «القوات» فقط، بل تشمل كلَّ مَن يعرقل حصولَ «التيار» على ما يعتبره «حقاً مُستحقاً» له من مقاعد وحقائب وزارية. وقد ردّ باسيل بشكل غير مباشر على كتلة «التنمية والتحرير» أمس الأول بعد لقائه الحريري، مؤكّداً «أننا لسنا مع تكريس حقائب لطوائف ولا لقوى سياسية»، مشيراً إلى أنه «يأتي ظرف يسمح أو يتطلّب تسليم حقيبة لمرة أو اثنتين لطائفة أو لكتلة سياسية، أنما هذا لا يكرِّس لأحد أحقّية التمسّك بحقيبة ولا يمنع على أحد من اللبنانيين أن يطالب بحقيبة معيّنة».
وعلى هذا الأساس طالب باسيل باسم تكتل «لبنان القوي» بالحصول على «حقيبتين هما وزارتا المال والداخلية، فقد حُرمنا منهما منذ 2005، واليوم جاء الوقت لكي يحصل تكتّلنا عليهما، لأنه من حقنا أن تكون لدينا إحدى الحقائب السيادية، وهاتان الحقيبتان يجب أن تكونا متاحتين أيضاً لكتلة مثل كتلتنا».
أما تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة وزارة المال الذي اتّفق عليه في اللقاء الأخير بين بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، فعاد بري وأكّده للحريري خلال استشارات التأليف الحكومي أمس الأول، فضلاً عن أنّ النائب انور الخليل أعلن باسم كتلة «التنمية والتحرير» بعد لقائها الحريري «أننا أصررنا على وزارة سيادية لم نذكرها وهي معروفة».
في حين تتعدّد طلبات الكتل النيابية توزيراً وحقائب، وقد تخطّى بعضها السقفَ المعقول حجماً وعدداً وتمثيلاً، لاحت في الأفق بوادر نزاعات قد تندلع حول الحقائب نوعاً وكمّاً، وذلك بين الطوائف أو داخل الطائفة الواحدة أو بين الأحزاب، وهذه النزاعات منها ما هو مُعلن ومنها ما يزال مخفيّاً حتى الآن. وأبرز النزاعات المُعلنة، هي بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، ففي حين تعتبر «القوات» أنّ تمثيلها الوزاري يجب أن يوازي تمثيلَ «التيار»، يرى الأخير أنّ حجمَه أكبر من حجم «القوات».
وعلى جبهة وزارية أخرى يتنافس «التيار» مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط الذي يعتبر أنّ نتائج الانتخابات تحتّم حصرَ التمثيل الوزاري الدرزي بفريقه فقط، فيما يقف «التيار» الى جانب النائب طلال أرسلان و»يُعيره» بعضَ نوابه ليُشكّلَ «كُتيلة» أو كتلة نيابية موقتة وهميّة لتمكينه من اقتناصِ مقعدٍ وزاري.
ولكن هل تستقيم الدولة في ظلّ توزيع بعض الوزارات والمواقع الإدارية الكبرى على الطوائف؟ وهل الهدف هو إعطاء الحقوق للطوائف أو للمواطن أيّاً كان انتماؤه؟ يوضح أحدُ الذين شاركوا في صوغ «اتّفاق الطائف» أنّ «إلغاءَ الطائفية شرط لإلغاء الطائفية السياسية، ويتطلّب خطةً مرحلية، كان من المُفترض أن يبدأ الإعداد لها عام 1992». ويقول «إذا ألغينا الطائفية السياسية دون إلغاء الطائفية نكون نلغي الطوائف ونخلق هيمنةً طائفيةً ومذهبية».