لم يعكس إجراء الانتخابات النيابية ونتائجها أي تغيير جذري في روزنامة عمل الطرف المتحكم في إدارة اللعبة السياسية، إذ ليس تفصيلاً أن يتم استهداف القوات اللبنانية بكمية الحقائب التي يحق لها بها في الحكومة الجديدة، ومنعها من الحصول على الحصة التي تطالب بها ونوعيتها، بحجة نتائج الانتخابات، فيما يجري العمل لتوزير قوى سياسية بغض النظر عن هذه النتائج، إما لتطويق الرئيس سعد الحريري سنياً أو النائب وليد جنبلاط درزياً.
بهذا المعنى، يصبح السؤال لماذا جرت الانتخابات، وما كانت الفائدة منها، واستطراداً من الذي يشكل الحكومة، رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة المكلف، أم القوى السياسية الرئيسية؟
بات مسلماً أن الحريري لن يضع التشكيلة على الورق إلا بعد عودته من السعودية (هيثم الموسوي)
أولاً، في المبدأ يفترض أن يضع الرئيس المكلف مسودة حكومته بالتنسيق مع الاطراف والقوى السياسية، ويعرضها على رئيس الجمهورية ويتشاور معه. لكن عملانياً، فإن آخر من يشكل الحكومة هو رئيسها المكلف، لا سيما أنه يبدو منذ اللحظة الاولى فاقداً للحجم الحكومي الذي يتمتع به، بعدما فقد أيضاً الحجم النيابي، سواء لجهة عدد نوابه أو غياب الصقور الذين كان عادة يعتمد عليهم. والتحدي الحقيقي الذي يواجهه الحريري هو في إحداث نقلة نوعية في الاسماء التي سيقدمها لفريقه الوزاري، بعد الاخطاء التي ارتكبت في لوائح المرشحين للنيابة، علماً بأن الحريري سيضرب عرض الحائط بالتمثيل الشعبي الحقيقي، بإعادة توزير خاسرين في الانتخابات. ولا يبدو الحريري في أحسن أحواله، وهو يخوض نقاشاً حكومياً يختلف بطبيعته وحيثياته عن النقاشات التي كان يجريها رؤساء الحكومات السابقون. وهو يقدم على مغامرة سيكون فيها مستضعفاً منذ اللحظة الاولى، لأن الخيارات التي تركت له باتت ضيقة. فرغم التنسيق الكامل بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والتفاهم مع الوزير جبران باسيل، إلا أن خوض الحريري نقاش التأليف ينطلق من ثابتة أساسية، هي أن لرئيس الجمهورية كلمة أولى وأخيرة، واضعاً خطوطاً حمراء ومطالب لا يمكن للرئيس المكلف أن يتخطاها. وكيف يمكن لرئيس حكومة أن يقود حكومته وهو ينطلق من حصة لرئيس الجمهورية وفريقه تساوي ثلث الحكومة الثلاثينية كما بات متداولاً؟ وكيف يمكن أن تكون له كلمة فصل في حكومة، بعد التسويات التي أجراها في كل الاتجاهات، وباتت تكبّله: رئيس الجمهورية، حزب الله، الرئيس نبيه بري، والسعودية؟
ثانياً، بات مسلماً أن الحريري لن يضع التشكيلة على الورق إلا بعد عودته من السعودية. فإذا كانت الرياض سهلت للحريري عودته المشروطة بجملة تحسينات وتطمينات أراحت وضعه الداخلي، إلا أنها أيضاً لا تزال تنتظر منه ترجمة حقيقية لمطالب حلفائها في لبنان، وأوّلهم القوات. وتسليم الحريري بما تطلبه القوات، أي بين خمسة الى ستة وزراء، لن يكون سهلاً في ظل لعبة الأرقام والأعداد وتقاسم الحقائب بين الطوائف والمذاهب والكتل، علماً بأن الكلام القواتي أن الحريري لن يشكل حكومة من دون الأخذ بمطالب القوات، يعكس مناخاً إيجابياً فوق العادة، لا يمكن بعد ترجمته حقيقة. والعقدة تكمن أيضاً في موقف الرياض الفعلي في تسهيل تشكيل الحكومة، ما دام الحريري باق في السراي الحكومي في كل الاحوال.
ثالثاً، لا يمكن أن تشكل حكومة من دون موافقة بري وحزب الله، وهذا الأمر أصبح من المسلمات التي لا يمكن لأي طرف سياسي أن يقفز فوقها. ويتعدى موقف الثنائي الشيعي تمسكهما بوزارة المال ومطالبتهما بحصص لهما وحلفائهما التي باتت من باب الأمر الواقع، إذ إن لهما حق الفيتو على حصص الآخرين. هكذا يتم التعامل مع مطالب القوات اللبنانية، فيصبح ممنوعاً عليها الحصول على حقيبة سيادية أو أي حقيبة من الدرجة الاولى. وحتى الآن يتشارك رئيس الجمهورية مع الثنائية الشيعية في وضع هذا الفيتو، فتستمر وزارتا الدفاع والداخلية محرمتين عليها، فيما تمنع عنها الخارجية كما الطاقة حالياً لتمسّك التيار الوطني بهما.
رابعاً، يستهجن التيار الوطني كل كلام عن استهدافه للقوات، رامياً الكرة في ملعب رئيس الحكومة. فإذا كان يريد إعطاءهم حصة وازنة، فلتكن من حصته. إلا أن ما يحصل عملياً هو أن التيار يرفض إعطاء القوات خمسة وزراء، ويريد منصب نائب رئيس الحكومة الذي كان من حصة القوات. من هنا يفترض السؤال: ماذا نص اتفاق معراب في الشق المتعلق بتقاسم الحصص الوزارية؟ ألم يحن الوقت لإعلان ما كتب حينها، علماً بأن القوات لوّحت أكثر من مرة بأنها ستنشر هذا الاتفاق؟ والسؤال الأكثر تقدماً، أيهما يفيد القوات أكثر، أن تكون داخل الحكومة ولو بثلاثة وزراء على الاكثر أم أن تكون خارجها، فتشكل معارضة أكثر إزعاجاً للعهد والحكومة على السواء؟ حتى الآن جواب القوات أنها ستبقى في الحكومة مهما كلّف الامر، وهذا تماماً ما يعرفه التيار، فيزيد من ضغطه عليها.