في معلومات لـ«الجمهورية» أنّ مرجعيات ديبلوماسية رفيعة تهمّها مصلحة لبنان واستقراره، نصَحت المسؤولين اللبنانيين بالتروّي في تأليف الحكومة، إذا كان تأليف حكومة وحدة وطنية غيرَ متيسّر في وقتٍ سريع، لأنّ التطوّرات المقبلة في لبنان والمنطقة تتطلّب وحدةَ الموقف اللبناني، والتطمينات التي أعطتها الدول الكبرى للبنان في شأن إبقائه بمنأى عن تداعيات ما يحصل في سوريا، يفترض حسب هذه المرجعيات الديبلوماسية، أن تترافق مع شعور بالمسؤولية لدى السلطات اللبنانية، إذ إنّ هذه التطمينات ليست ضمانات.
وفي السياق، علِم أنّ قريبين من الرئيس المكلّف سعد الحريري أسدوا النصحَ إليه بوجوب التروّي وعدمِ التسرّع في إعلان أيّ حكومة خشيةَ من أن يؤدي التأليف السريع إلى خلقِ معارضةٍ شعبية إلى جانب المعارضة النيابية.
وفي هذا السياق، لاحظت مصادر سياسية تراقب عملية التأليف «وجود محاولات خلقِ أعرافٍ جديدة، وأبرزُها ثلاثة: وزارة المال من حصّة الشيعة، حصّة وزارية لرئيس الجمهورية، وحصّة وزارية لرئيس الحكومة غير حصّة تيار «المستقبل». وتوقّعت أن تكون هذه الأعراف «موضعَ خلاف من شأنه تعقيدُ التأليف السريع للحكومة على رغم تأكيدِ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في أحاديثهما أمام الزوّار أو تصريحاتهما، ضرورةَ الإسراع في التأليف»، وأبدت اعتقادها «بوجود رغبة في تخطّي العقَد ووضعِ كلّ الأطراف أمام الأمر الواقع».
ولكنّ المصادر المطلعة على الظروف التي تتمّ فيها عملية التأليف تجزم بأنّ «حكومة الأمر الواقع سيكون لها تداعيات ليست في مصلحة البلاد التي تواجه أخطاراً وتهديدات إقليمية».
الحريري متفائل
وفي حين تمنّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأليفَ الحكومة في أسرع وقت ممكن، جدّد الحريري الذي سافر ليلاً إلى الرياض تفاؤله في تأليفها سريعاً، وتحدّث بعد زيارته عون لإطلاعِه على حصيلة استشاراته النيابية، عن حوار مرتقَب في الأيام المقبلة مع كلّ الأفرقاء السياسيين، وقال: «سنجَوجل الأفكار ونرى أفضلَ طريقة لتأليف الحكومة، والجميعُ حريص على أن يمثَّل، وأنا حريص على الوفاق داخل الحكومة لمصلحة المواطن اللبناني».
وردّاً على سؤال حول توزيع الحقائب الوزارية، قال الحريري: «إنّ تيار «المستقبل» هو تيار «المستقبل» ولا أحد يستطيع التشكيكَ في ما يمثّل وفي وجوده، كما أنّ لرئيسِ الحكومة حصّةً».
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ البحث بين عون والحريري تناوَل أولى الصيغتين المحتملتين من 26 و32 وزيراً بالاستناد الى القاعدة التقليدية المعتمدة في صيغتَي الـ 24 والـ 30 وزيراً قبل إضافة المقعدَين العلوي والأقلّيات اللذين يطالب بهما رئيس الجمهورية، وهو سبقَ له أن قطعَ وعداً بذلك منذ تشكيل الحكومة السابقة بعد انتخابه رئيساً للجمهورية». وأشارت الى أنّ عون والحريري «تفاهما مبدئياً على الصيغة التي ستُعتمد لتوزيع الحقائب السيادية الأربعة من دون الحديث عن أسماء، في اعتبار أنّ أيّ تفاهم حول الحصص يجب أن يستبق مرحلة إسقاط الأسماء عليها».
ثوابت الصيغة الحكومية
وعلمت «الجمهورية» أنّ عون تَوافقَ والحريري على بعض الثوابت التي ستحكم التركيبة الحكومية الجديدة، ومنها:
- طريقة توزيع الحقائب الخدماتية بعد السيادية من دون الحديث عن أيّ أسماء مقترحة في هذه المرحلة، ولا حديث مقبولاً عمّا يسمّيه البعض «إقصاء» لأيّ مكوّن نيابي.
- الحصص الحكومية باتت محسومة وفقاً لِما سُمّي «الصيغ السابقة»، ولا نقاش في تمثيل رئيس الجمهورية خارج منطِق حصص الكتل النيابية المختلفة أياً كانت هويتها السياسية والحزبية.
- التفاهم على إبقاء الاتصالات مفتوحة بعد عودة الحريري من المملكة العربية السعودية، وهو قد استأذنَ رئيسَ الجمهورية القيام بهذه الزيارة للقاء عائلتِه وتأديةِ مناسك العُمرة في مكة.
- عدم التدخّل لدى أيّ كتلة نيابية أو فريق بما يعني الفصلَ بين النيابة والوزارة، فالقرار يعود للأحزاب والكتل النيابية التي ترغب بتطبيق هذا المبدأ.
وعبَّر رئيس الجمهورية عن نيته التقدّم بمشروع تعديل دستوري الى مجلس النواب لتكريس الفصل بين الموقعين، وسيكون هذا الموضوع من أولوياته لِما يوفّر من ظروف نجاحٍ لمن يتولّى مهمّة واحدة منهما.
وأكّد الحريري مساء أمس في الإفطار السنوي لدار الأيتام الإسلامية «أنّ كلّ القوى السياسية الرئيسية في البلاد وفي البرلمان، واعيةٌ للمخاطر الخارجية والتحدّيات الداخلية، وبالتالي فهي متوافقة على ضرورة الإسراع في إنجاز تأليف الحكومة. كما أنّ هناك توافقاً بين فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري وبيني على ضرورة الإسراع في الإصلاح الإداري والاقتصادي، ومن ضمنه أولوية مكافحة الفساد بكلّ أشكاله. يبقى أن تترجم الأيام المقبلة هذه الإرادة بالفعل، وأن نتواضع جميعاً أمام مصلحة لبنان واللبنانيين، وأن نرتفع جميعاً إلى مستوى التحديات الماثلة أمامنا، والمرجّح أنّها ستتصاعد في الأشهر القليلة المقبلة».
وأضاف: «مِن جهتي، سأبقى على تعهّدي بالحفاظ على التفاهمات الأساسية التي حَمت الاستقرار وأطلقت مسيرةَ الإنجاز في الحكومة المستقيلة، تحت سقف الثوابت التي لا مساومة عليها، وعلى رأسِها اتفاقُ الطائف، والدستور، ونظامنا الديموقراطي، وهوية لبنان العربية، ونأيُ لبنان عن التدخّل بشؤون الأشقّاء العرب، حفاظاً على أفضل العلاقات معهم».
برّي
وفي هذه الأثناء قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس «إنّ المفاوضات الجدّية لتشكيل الحكومة هي التي تتمّ بعيداً من الأضواء». وأضاف: «تعاوَنوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وتوقّع أن تنطلق مساعي التأليف بزخمٍ بعد عودة الحريري من السعودية، مشيراً إلى «أنّ التصريحات والمواقف المعلنة حتى الآن توحي بأنّ هناك سقوفاً مرتفعة وعُقَداً عدة لكن دعونا ننتظر كيف ستنتهي الأمور لاحقاً».
حصّة الرئيس
في هذا الوقت، ظلّت حصة عون الوزارية في الحكومة موضعَ تجاذبٍ بين تكتّل «لبنان القوي» وتكتل «الجمهورية القوية» في ظلّ غياب أيّ نصّ دستوري يَمنح رئيس الجمهورية هذا الحق. إلّا أنّ عون رفض أمام زوّاره أمس «أيّ نقاش يتناول من يمثله شخصياً في الحكومة ومقولة إنّها حصة له»، مبدياً رغبته بتسميتِها «فريق يساعد رئيس البلاد في تنفيذ ما أراده، وهو مَن أقسَم على الدستور». ويَعتبر عون أنّ «بإصراره على هذا المبدأ لن يخرج عن التقاليد السابقة التي اعتُمدت في التشكيلات الحكومية منذ «اتّفاق الطائف» الى اليوم بما فيها موقع نائب رئيس الحكومة الذي سيكون من فريق عملِه كما كان الأمر لدى أسلافه».
تكريس اعراف
وفي هذا المجال قال الرئيس نجيب ميقاتي في تغريدة عبر» تويتر»: «أدعو جميعَ الأطراف إلى تسهيل مهمّة الرئيس المكلّف بتأليف الحكومة الجديدة على قاعدة النصوص الدستورية بعيداً عن تكريس أعراف جديدة لا طائلَ منها، خصوصاً ما يُحكى عن حصة وزارية لرئيس الجمهورية، وإلّا فنحن نؤيّد ما قاله الرئيس المكلف عن حصّة مماثلة لرئيس الحكومة».
«لبنان القوي»
واعتبَر تكتل «لبنان القوي» بعد اجتماعه برئاسة الوزير جبران باسيل أنّ حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة «مسألة غير قابلة للنقاش ومبتوتة دستورياً وميثاقياً وممارسةً». وأكّد أنّ تأليف الحكومة هو مِن صلاحية رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وأنّ نتائج الانتخابات النيابية «ستكون الاساس لتحديد الأحجام»، وأملَ مِن جميع الأطراف تسهيلَ عملية تأليف الحكومة، مبدياً استعداده «تحت سقفِ الدستور والنظام البرلماني الديموقراطي، لتقديمِ كلّ ما يلزم لتأمين التأليف السريع لمصلحة لبنان والعهد وجميع المواطنين».
«القوات» لـ«الجمهورية»
وأكّدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّها «الأشد حرصاً على موقع رئاسة الجمهورية ودورِ الرئيس ووزنِه، وإلّا لَما عبَّدت الطريقَ أمام العماد عون للوصول الى قصر بعبدا، بل فعَلت ذلك لإيمانها بوجوب أن يتمتّع الرئيس بحيثية داخل بيئته السياسية ويُجسّد تطلعاتها، لا أن يكون منفصلاً عن البيئة التي أوصَلته. فنحن مَن أوصَلنا الرئيس عون من خلال تفاهمِ معراب، ونؤمِن بهذا التوجّه الذي يجب أن تُبنى الأمور عليه. لذلك، القوى السياسية التي أوصَلت الرئيس تشكّل قوّةَ ارتكاز للعهد، ونحن جزء لا يتجزّأ من قوّة الارتكاز للمرحلة السياسية الجديدة».
وأضافت المصادر: «بكلّ بساطة، رئيس الجمهورية هو مَن عارَض بنفسه في أكثر من إطلالةٍ له إعطاءَ رئيس الجمهورية حصّةً داخل الحكومة، معتبراً أنّ كلّ الحكومة هي حصته، ونحن نقول إنّ الرئيس ينتمي إلى تكتّل نيابي وله حيثيةٌ شعبية كبرى، وبالتالي حصتُه يجب أن تعكس وزنَه النيابي الذي يرتبط مباشرةً به وخِيضَت الانتخابات على هذا الأساس».
وتخوَّفت المصادر من «أن يكون الوزير باسيل يريد وتحت هذا العنوان ضربَ علاقة «القوات» مع العهد عبر التحايل في هذه المسألة واحتسابِ حصّة القوات 3 وزراء واحتساب حصّتِه واللجوء إلى تضخيم حصّة الرئيس من خلال شخصيات تنتمي إلى خط باسيل السياسي على حساب الشراكة والمساوة والتوازن داخلَ الحكومة وعلى حساب ما أفرزَته الانتخابات».
وشدّدت المصادر على «ضرورة احترام تفاهمِ معراب الذي فتحَ طريق بعبدا وقضى بالمساواة وعلى وجوب عدم الالتفاف على أصوات الناس ورأيهم في الانتخابات». وقالت: «مِن هنا يأتي حرصُنا في هذا السياق، فنحن متمسّكون بدورنا في الحكومة الجديدة لأنّنا نستطيع من خلال حجمنا متابعة دورنا الإصلاحي والسيادي، ومحاولةُ الالتفاف على حجمنا الوزاري تهدفُ إلى منعِنا من استكمال هذا الدور.
وبالتالي نحن حريصون على حوار بنّاء ومفتوح مع الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية ومع كلّ القوى السياسية للوصول إلى حكومة تعكس تطلّعاتِ الناس وتجسّد ما أفرزته الانتخابات من أجلِ مرحلةٍ واعدة».
«المستقبل»
مِن جهتها، دعت كتلة «المستقبل» النيابية إلى تضافر الجهود لتسهيل مهمّةِ الرئيس المكلّف، والتوصّلِ إلى تشكلية وزارية تترجم نتائجَ الانتخابات والإجماع الوطني على أهمّية التضامن لمواجهة الاستحقاقات الداهمة على المستويَين الاقتصادي والإقليمي. واعتبَرت «أنّ التحدّيات الماثلة على غير صعيد محلّي وخارجي، تستوجب الإسراع بتشكيل الحكومة وعدمَ إضاعة الوقت في أيّ تجاذبات وخلافات تؤخّر هذا التشكيل، وتعرقل الآليات الإدارية والإصلاحية المطلوبة من الدولة اللبنانية للتعامل مع مؤتمرات الدعم والمشروع الاستثماري للنهوض بالاقتصاد اللبناني».
الراعي وماكرون
مِن جهةٍ ثانية، حضَر الهمُّ اللبناني والخوفُ من التوطين وعدمُ حلّ أزمةِ النزوح السوري في الإليزيه، حيث توَّج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته لفرنسا بلقاءٍ مع الرئيس إيمانويل ماكرون تناوَل كلَّ مواضيع الساعة والملفّات المطروحة.
وأشار الراعي إلى أنه عرَض مع ماكرون «الوضعَ الاقتصادي اللبناني، خصوصاً بعد مؤتمر «سيدر» والإصلاحات المطلوبة بغية تسهيلِ دعمِ لبنان».
وأضاف: «تناولتُ مع ماكرون موضوع النازحين وأهمّية عودتِهم إلى بلادهم، ومِن هنا لا بدّ من فصلِ القضية السياسية عن الوضع الأمني وإعطائهم حقَّ العودة إلى سوريا». وأشار إلى أنّ الرئيس الفرنسي استمعَ إليه «بمحبّة وبدقّة، وأبدى اهتماماً كبيراً بما قلناه، خصوصاً أنّنا أبدينا تخوّفَنا من التوطين، لأنّ عاملَ الوقت ليس لمصلحتنا».
الوضع المالي والاقتصادي
وإذا كان التصدّي للأزمة المالية والاقتصادية هو القاسم المشترك الذي يستخدمه معظمُ المطالبين بالإسراع في تأليف الحكومة الجديدة، فإنّ إقدامَ مصرف لبنان أمس على بيعِ سندات «يوروبوند» من محفظته، في السوق المحلّي أثارَ جملة تساؤلاتٍ حول خطورة الوضع الذي حتَّم الاستغناءَ عن بيع السندات في الأسواق العالمية كما كان مقرّراً سابقاً.
وفي التفسيرات التي أعطيَت لخطة البيع في السوق المحلي، أنّ المستثمرين الأجانب لن يكونوا متحمّسين في هذه الفترة للاكتتاب في السندات اللبنانية، وفقاً لأسعار الفوائد التي جرت عملية البيع على أساسها، خصوصاً في ظلّ التوقّعات برفعِ أسعار الفوائد عالمياً، بالإضافة إلى المناخ الجيوسياسي المتأزّم المفتوح على احتمالاتٍ كثيرة ضاغطة، والعقوباتِ الأميركية المرتقبة على «حزب الله»، والتي تُعتبر كلُّها عواملَ تَحول دون التخطيط للاستثمارعلى المدى البعيد.
وتأتي عملية البيع هذه، عقب عمليةِ جسِّ النبضِ التي أجرتها جمعية مصارف لبنان في الولايات المتحدة الأميركية لتبيانِ خلفية وحجمِ العقوبات التي قد تفرضُها الإدارة الأميركية على «حزب الله» والمتعاونين معه. وعلى الرغمِ من أنّ المصارف، وإدارة مصرف لبنان تلتزم تطبيقَ العقوبات، إلّا أنّ الأجواء بدت مقلِقةً، خصوصاً حيال إمكان توسيعِ مروحة العقوبات، في المرحلة المقبلة، والتداعيات التي قد تنتج منها.
وقد تزامنَت هذه الأجواء مع زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس للحريري