لا يمكنني أن أتخايلَ نفسي أعيش في بلد يُعرَض على شاشاته عملٌ مثلُ مسلسل «الهيبة العودة»، ولا بدّ من إيقافه حتى يتسنّى لنا الاستمتاع بالأعمال الدرامية الأخرى التي تنير عقولنا وتُعبّد طريقنا إلى الرقي الاجتماعي والأخلاقي. يمكننا عندها مشاهدة مسلسل «تانغو»، لكنّ هذا الآخر يُعلمّنا التصالح مع رغباتنا الدفينة ويشجّع على الخيانة الزوجية والانتقامِ بالقتل بسبب الغيرة، ناهيكَ عن تعاطي المخدّرات واختلاس الأموال وتعنيفِ المرأة... لذا لا بدّ من إيقافه.
ومِن بَعدها يمكننا متابعة «طريق» والاستمتاع بأداء عابد فهد ونادين نجيم، لكن علينا تحمُّلُ فكرةِ مسلسل يُهمّش المرأةَ السطحية ويشجّع القوية للدفاع عن حقوقها وعدمِ التكتّم على هوية المتحرّش بها وفضحِه أمام الناس مهما كان الثمن، وهذا أيضاً مخِلٌّ بالتوازن الاجتماعي اللبناني... أوقِفوه حالاً. لماذا لا نشاهد مسلسل «ومشيت»، فإنّه عملٌ لبناني صافٍ ومحترَم؟ لكن مهلاً، سمعتُ أنه يتساهل مع فكرة المساكنة، وتحديداً مع شخصية عسكرية، وأيضاً مع فكرة خروج المرأة عن طاعةِ زوجها وهجران بيتِها الزوجي والاهتمام وحيدةً بأولادها... كم ممكنٌ لذلك أن يدمّر عائلاتٍ لبنانية ويزيد أعداد المهاجرين، لا بدّ من إيقافه فوراً.
لماذا لا نشاهد «الحبّ الحقيقي»، ففيه كثيرٌ من المواهب الواعدة، لكن علينا تحمّلُ فكرة تصالحِ الفتاة مع مشاعِرها تجاه من تحبّ حقيقةً وحتى لو كان ذلك على حساب المجتمع، ناهيك عن مشاهدِ التقبيل على الشفاه ولِما يمكن لذلك أن يزعزع أخلاقَنا العامة ويَدفعَنا إلى الرذيلة والفلتان والانحلال، فلا بدّ من إيقافه لأنّ مجتمعنا أغلى من قصّةٍ درامية.
لا تيأسوا، ما زال في إمكاننا مشاهدة «الشهر السابع» ورؤيةُ سيرين عبد النور كيف مثّلت وهي حامل فعلاً، لكن يجب الانتباه إلى أنّ هذا المسلسل يفضَح المشاكل التي يمكن أن تواجهها المرأة في عملها، والمخاطر التي يمكن أن تدخل إلى حياتها الخاصة وتهدّد زواجَها وأهلها، ونحن بغِنىً عن تشجيع بناتِنا على العمل والاستقلالية، فيجب علينا المطالبة بوقفِه قبل أن يسمّمَ عقولنا. فلا يبقى أمامنا سوى «كلّ الحب كلّ الغرام»، وهذا لا بدّ من إيقافه قبل الاطّلاع على قصّته، لأنّ مجرّد ماكياج الممثّلين كافٍ للمطالبة بإيقافه وحظرِ عرضِه.
وهكذا، بعدما تأكّدنا من أنّ الدراما على أشكالها تقع في مستنقع تدمير المجتمعات وإفسادِ الأخلاق، وأنّ كلّ المسلسلات هي من عملِ الشيطان... لا يبقى أمامنا نحن الباحثين عن متنفّسٍ مسائي يُنسينا اختناقاتِ النهار، سوى مشاهدةِ السنافر للترويح عن أنفسِنا قليلاً... يا الله... وماذا نفعل بشرشبيل وبأفكاره الشرّيرة وخططِه التدميرية، وكيف نُجنّب أنفسَنا تأثيرَه السلبي المدمّر لمشاعر الحب والوداد، رجاءً أوقِفوا السنافر وزجّوا بهم في السجن. دعونا أقلّه نشاهد «سندريلا»... لكنّني تذكّرت، من أين آتي لزوجتي بإسكربينة من زجاج، ومن أين أعرّف ابنتي على أمير يمتطي حصاناً أبيض؟ ما هذه الأعمال المدمّرة للعلاقات الزوجية والترابط الأسري، أوقِفوها كلّها.
لم يبقَ أمامنا سوى متابعة «توم وجيري» دون كللٍ وبلا انقطاع، فحضّرنا الفوشار والبزورات وسَكبنا العصائر والكولا، وتمدَّدنا على الأريكة للمشاهدة والاستمتاع، وما إن بدأ حتى انهالَ توم على جيري بالضرب، وبدأ جيري يدبّر المكائد لتوم حتى يقضيَ عليه، وبدأنا نشعر بمدى تأثيرِ ذلك على علاقة الأولاد ببعضهم، وارتفاع منسوب العنف لدى الكبار، فقرّرنا عندها التظاهرَ للمطالبة بإيقاف «توم وجيري» لأنّ المنطقة غير مستعدّة لوجيستياً لمواجهة الاشتباكات التي يمكن أن تنشبَ بين قطط الحيّ وفئرانه.
عجيبٌ كم هي متينة تركيبة مجتمعِنا اللبناني التي يمكن أن تهتزّ وتتعرّض للانهيار من فكرة مسلسل أو من إبداعات كاراكتير أو من قصّةٍ غرامية جريئة... عجيبٌ كيف أنّنا نتضايق من القتل والعنف والإجرام والخيانة الخيالية في عمل فنّي، ونفعل نحن الأسوأ منه في الحياة الواقعية لإيقافه ومنعِ عرضِه.