لا تزال قرارات العقوبات على "حزب الله" تُلقي بثقلها على حركة الاتصالات والمشاورات السياسية، في مرحلة ما بعد استحقاق الانتخابات النيابية والمحطات الدستورية التي ستليه.
على ان مصادر ديبلوماسية بارزة، تؤكد وجود هامش لبناني من التحرك تلافياً لتأثير القرارات على تشكيل الحكومة، على اساس تقديم مصلحة لبنان واستقراره فوق كل اعتبار. اذ ان مدى تجاوب لبنان مع المواجهة الايرانية للولايات المتحدة وحلفائها، ليس اوتوماتيكياً. كما انه ليس هناك من تعليمات ايرانية محددة، لا بل ان لدى حلفاء ايران في لبنان رأياً مسموعاً لدى القيادة الايرانية، بحيث يمكن إقناعها بضرورة عدم دخول لبنان في لعبة الصراع الدولي ـ الاقليمي في مسألة الحكومة، وبالتالي عدم اللجوء الى هزّ الاستقرار. وفي المقابل، لا تعتقد المصادر ان الادارة الاميركية ستوسّع الضغوط على لبنان وهي تدرك بنيته الشعبية والسياسية ومكوناته، وواشنطن لا تزال تصرّ على عدم زعزعة الاستقرار. ويتبين ان ثمة تركيزاً اميركياً على الضغط على ايران خارج الحدود اللبنانية كما الضغط على ايران وحلفائها ووجودهم العسكري لكن ليس على الاراضي اللبنانية.
لكن الترقب هو الآن سيد الموقف في ما خص سبل التعامل الخارجي مع مسألة تأليف الحكومة. وفي الوقت نفسه، لم تطالب اية جهة خارجية باقصاء "حزب الله"، عن تشكيلتها، ولم تقل اية جهة بلزوم اخراجه من الحكومة. مع الاشارة، الى انه في مراحل سابقة تم رفض طرح حكومة تقنيين، بسبب انها تمثل شكلاً من اشكال الاقصاء غير المباشر. لكن مهما كانت المؤشرات المطمئنة في هذا المجال مرتفعة، الا ان درء اية مخاطر من انعكاسات القرارات حول الحزب، على لبنان، يحتاج الى مسعى ديبلوماسي لبناني جدي ومكثف.
وتقول مصادر ديبلوماسية اخرى، ان اي طرح متصل بحكومة لا تضم "حزب الله" ليس واقعياً، وان عملية تدوير للزوايا ستتم في هذا الاطار. وفي النتيجة يوجد اتفاق وتفهّم خارجي كبير بأن الحزب على الرغم من كل التوصيفات التي يتهم بها، فهو يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين ولديه نواب منتخبون، وانه لا يمكن في لبنان تشكيل حكومة من دونه. لكن الانظار متجهة الى سلوكه في ظل المعطيات الدولية الجديدة والتي تتقاطع الى حد كبير مع المعطيات الروسية، بحيث اكد كبير مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين للشؤون السورية ألكسندر لافرنتييف، موقف موسكو، بضرورة انسحاب ايران و"حزب الله" من سوريا. وهو الامر الذي ازعج طهران واي تغيير في الوقائع على الارض في سوريا سيؤثر على اداء الحزب في لبنان.
فضلاً عن ذلك، يبرز تغيّر اتجاه الوضع الشيعي في العراق، ولا سيّما توجه السيد مقتضى الصدر وجماعته نحو العروبة الذي اظهر حالة قوية في هذا البلد، الامر الذي سيؤثر حتماً في النفوذ الايراني.
وتشير المصادر، الى احتمال وجود ليونة لدى الحزب، وان كانت مصادر اخرى، لا تتوقع هذا التوجه داخلياً، ذلك انها تعتبر ان مبدأ الحزب معروف، فإذا خسر في الخارج يعوِّض الخسارة في البلد، وإذا ربح في الخارج يربح في البلد. والحزب سهّل تسمية الرئيس سعد الحريري، بحيث يتبع ذلك ضغوط لكي يحصل على صعيد الحكومة لتحقيق اكبر ضمانات ممكنة في المرحلة المقبلة. وتتوقع تلك المصادر مرحلة صعبة من التأليف، بحيث ان مؤشر الوقت يلعب دوراً، فإذا شُكلت الحكومة بسرعة، فهذا يعني ان العقبات تنحسر، وإذا طال الوقت فيعني ذلك وجود نية للضغط والعرقلة. والمطروح حتى الآن في التشكيل الابقاء على التوزيع القائم بشكل او بآخر مع توسيع الحكومة بوزراء دولة. ولا تتوقع المصادر تغييراً كبيراً في سياسته، في مقابل تزايد الضغوط على ايران وتقول ان واشنطن عوَّدَت الاطراف في المنطقة على سياسة غير منسجمة احياناً. ويجب الانتظار لمعرفة مدى جدية تطبيق الشروط التي وُضعت على ايران. وهي شروط قاسية، وتنفيذها يعني وجود كسر عظم في المنطقة. وتبدي المصادر نفسها، اعتقادها ان الاميركيين يضخمون الضغوط ليحققوا مصالح تعنيهم، وتعني اسرائيل، في الدرجة الاولى، وليس بالضرورة ان تتلاءم ومصالح دول اخرى في المنطقة مثل العرب ولبنان. اي قد توصل الضغوط الى ما يخدم اسرائيل، وتتوقف عندما يصبح الامر متجهاً لمصلحة الوطن العربي. وبالتالي يجب الانتظار، وليس سهلاً التكهن بالانعكاسات على لبنان منذ الآن.
لكن المصادر تؤكد في الوقت نفسه، انه لا يوجد تخلٍّ عن دعم لبنان واستقراره، والسماح بعقد المؤتمرات الثلاثة الدولية الداعمة للبنان يصب في هذا التوجه. ويأتي دعم الجيش اللبناني في هذا السياق أيضاً، ذلك ان مطالبة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو باعادة النظر ببرنامج مساعداته، يقع في اطار الضغوط على الدولة اللبنانية. والموضوع يصبح مقلقاً لو قال انه يجب وقف هذه المساعدات. اي اذا ألغيت المساعدات، فيكون هناك تراجع، اما اذا جرى خفضها، فيكون ذلك من اجل الضغط لتوجيه رسالة الى الحكومة، والى الحزب بأن الموقف من كل شيء هو جدي، وبالتالي، هذا تحذير حتى الآن، لان واشنطن داعمة للجيش لتقويته لكي يتمكن من بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.