بين "حرب الإلغاء الجديدة" و"صحة التمثيل"، تجدد اشتعال الفضاء الافتراضي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. ما كان يسري همساً بين جمهوري الطرفين، انتقل إلى المسؤولين والنواب. إنها مرحلة تشكيل الحكومة، بالتالي تقتضي تصعيد المواقف، ليحفظ كل طرف حقّه وحصته. الجديد هو دخول الوزير ملحم الرياشي على خطّ الخلاف، لا سيما أنه طوال فترة التصعيد السابقة بين الطرفين كان يفضّل الصمت باعتباره أحد عرابي "المصالحة" واتفاق معراب. فدخوله يوحي بأن المعركة بلغت مراحل متقدّمة جداً.
يتمسّك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع باتفاق معراب، ويعتبر أن إعلان النوايا لا يزال ثابتاً رغم وجود بعض النوايا السيئة لدى البعض، الذين يريدون تطويق القوات ومحاصرتها، وإعادة الزمن بها إلى الوراء، على قاعدة "الأخطاء الواجب تصحيحها، كاستعارة لعبارة نائب رئيس مجلس النواب المنتخب حديثاً إيلي الفرزلي". وقد أكد جعجع خلال لقائه برئيس الجمهورية ميشال عون أن كثيرين يعتبرون أن الاتفاق يحتاج إلى إعلان ساعة الدفن، خصوصاً أن وفاته أعلنت على مراحل منذ الخلافات بشأن ملفات عدة، وصولاً إلى الخلاف في معركة تحديد الأحجام.
يأمل جعجع أن يسري على الثنائي المسيحي ما يجري التعامل به بين طرفي الثنائي الشيعي. وبما أن ذلك فشل على صعيد الانتخابات النيابية، فهو يأمل تصحيحه في مجلس الوزراء. الامر الذي لا يمرّ قطعاً لدى التيار الوطني الحر، لأن الوزير جبران باسيل يخوض معركة "الأقوياء" وأصحاب الكتل الأكبر. وفيما يأمل جعجع أن تكون الحصص مناصفة بين التيار والقوات والقوى المسيحية الأخرى، يردّ باسيل بأن على القوات أن تتمثّل وفق حجمها كما كل القوى، وهي يحق لها 3 وزراء، فيما يطالب هو بست وزارات للتيار منفصلة عن حصة رئيس الجمهورية، التي يجب أن تكون 4، من بينها نائب رئيس الحكومة. وهذا ما ترفضه القوات وتعتبره غير منطقي.
هذا النقاش دفع القواتيين إلى الانتفاض والتعبير عن غضبهم من طريقة التعاطي معهم. فغرّد الرياشي قائلاً: "وظنّ نمرود انه يستطيع ان يفعل ما يشاء، ويحصل على ما يشاء، ويحتكر كل شَيْءٍ لنفسه ولا يقاسم الخبز حتى مع أخوته، وبدأ يفسد في الأرض، وظنّ أنه سوف يصيب الله في سهمه، فتركه العليّ ليبلغ اعلى برج بابل وأسقطه من اعلى الى أسفل، فمات مسحوقاً! (من وحي الصوم الرمضاني)". التغريدة استدعت رداً من الوزير سليم جريصاتي الذي كتب: "إلى وزير الإعلام بكلّ صدق: فتش عن نمرود تجده تحت سقف بيتك (من وحي التاريخ القديم والواقع الأحدث). ليرد الرياشي: "غريب ان تُحمَّل تغريدة غير محلية معاني محلية، وكثيرة!.. اوووف عن جد غريب".
في المقابل غرّد باسيل: "العزل صار خبرية بيلجأوا لها للاستعطاف وللاستحصال على زوائد سياسية... ولا في عزل ولا في شي، في إنّو كل واحد لازم يكتفي بحجم تمثيلو مش أكتر ولح يتمثّل، وما رح ينفعهم لا اتصالات واجتماعات ولا شكوى ونقّ بالداخل واكيد ما لح يفيدهم الاستقواء بالخارج". كلام باسيل كان ردّاً مباشراً على جعجع وما طرحه في لقائه مع رئيس الجمهورية. وقد ردّ النائب السابق فادي كرم على باسيل مغرداً: "وزير باسيل ما تكون مفكّر حالك مالك الجمهورية، تلفيقاتك ما بقا تنفعك وأكبر دليل نتائج الانتخابات الأخيرة يلي اضطريت تستعين فيا بمجموعة كبيرة من المستقلين تا تغطي ضعفك. حاولت تعزلنا ولما ما قدرت تراجعت وانت مهزوم وكأن شيئاً لم يكن".
هذا السجال سيرخي بظلاله على عملية تشكيل الحكومة والواقع السياسي، لكن هناك من يسأل عما تبقّى من التفاهم الذي يصرّ جعجع على التمسك والتذكير به في كل إطلالة له؟ هنا، تجيب مصادر القوات بأن غاية القوات هي تعزيز الساحة المسيحية، بالتالي الوطنية، ومنع الشرذمة في الشارع المسيحي وسحب فتائل التوتر بين الجمهور، معتبرة أنه بعد توقيع هذا التفاهم ومساهمة القوات الأساسية في إيصال عون إلى قصر بعبدا، منح ذلك القوات صك براءة من التهم والسياقات والاختلاقات التي كان التيار الوطني الحر يرميها عليها. وهذه إنجاز كاف للقوات أمام الرأي العام، بحيث لم يعد التيار قادراً على مواجهة القوات بتلفيقات تاريخية. وهذا الأمر لمسه الشارع الذي عبّر عن تغير في مزاجه السياسي في الانتخابات، وإن لم يذهب إلى التصويت للقوات إلا أنه لم يتجاوب مع طروحات التيار.
أخطأت القوات في عدم التصويت للرئيس نبيه بري، وفق ما يعتبر البعض. والخطأ الأبرز كان في التوقيت. صحيح أن القرار له خلفية مبدئية، ولكن اللحظة كانت تقاربية بين معراب وعين التينة، وكان على معراب تسليف بري الذي سيردّ السلفة في عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً أن الطريق التي سترسمها القوات ستكون طويلة في مرحلة ما بعد التأليف. وهي ستكون بحاجة إلى حلفاء أقوياء في وجه التيار الوطني الحر. مقاطعة التصويت لبري مثّلت "إنعزالاً قواتياً عن الاجماع"، فيما لا يبدو أن معراب ستكرر الخطأ في عملية تشكيل الحكومة.