هو اللقاء الأول من نوعه بينهما منذ حوالى خمس سنوات. لم يدم الإعداد له سوى ساعات قليلة. ما إن انتهى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من إطلالته التلفزيونية، يوم الجمعة المنصرم، لمناسبة عيد التحرير، حتى كان يستعد لموعده مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. لقاء يتبدّى الجزء العاطفي منه في عناق الرجلين والثقة العالية التي صارت تحكم علاقتهما، بحضور «الأمينين» على العلاقة بكل أسرارها وخفاياها، المعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للسيد نصرالله الحاج حسين الخليل.
استمر اللقاء من قرابة التاسعة من مساء يوم الجمعة الماضي حتى قبيل منتصف ليل الجمعة ـــ السبت، ودشّنه السيد نصرالله بمقاربة واسعة للمشهد الإقليمي، من بوابته السورية، إلى العراق واليمن وإيران وصولاً إلى فلسطين. قبل أن يلاقيه الرئيس بري بقراءة تقاطعت في الكثير من عناوينها، خصوصاً أن الجانبين، وإن بنسب متفاوتة، يطلان على عدد من الملفات، بينها الملف العراقي.
لا قلق من التهديدات الأميركية أو الإسرائيلية، خصوصاً في مرحلة ما بعد خروج الأميركيين من الاتفاق النووي. توقف الرجلان عند أبعاد «ليلة الصواريخ» (بين العدو الإسرائيلي والجيش السوري) وما تحمله من أبعاد استراتيجية غير مسبوقة، فضلاً عن احتمالات ما بعد إنجاز معركة تحرير دمشق من كل البؤر المسلحة التي كانت تهددها، ولا سيما الوجهة الحتمية للنظام باتجاه الجنوب السوري. كذلك قاربا ملف النزوح السوري من زاوية ضرورة عودة النازحين إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري وباتت آمنة.
بعد قراءة نتائج الانتخابات النيابية، خصوصاً في ظل ما حققه «الثنائي» في معظم الدوائر، ومن ثم انتخابات رئاسة المجلس النيابي وهيئة مكتب المجلس وتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، لم تحتج مقاربة بري ونصرالله لموضوع الحصة الشيعية في الحكومة لأكثر من دقائق، وعنوانها تمسك الجانبين هذه المرة بالحصول على المقاعد الشيعية الستة في الحكومة الثلاثينية، مناصفة (3 وزراء لأمل و3 وزراء لحزب الله ونقطة على السطر)، فضلاً عن حسم موضوع المالية الذي لم يجادل به أصلاً لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة المكلف. وترك الجانبان للرئيس بري مهمة إدارة ما يخصّهما من ملف التأليف الحكومي، على أن يقدم الحزب اقتراحاته بخصوص الأسماء، وقال السيد نصرالله لبري: «عندما تنجز مهمة تحديد الحقائب، لن نختلف على الباقي»، في إشارة واضحة إلى أن الطرفين سيتفاهمان لاحقاً على توزيع الحقائب وتحديد الأسماء، خصوصاً أن الحزب قرر الفصل بين الوزارة والنيابة.
وفي هذا السياق، تبدى بشكل واضح أن رئيس الحكومة المكلف ارتكب «فاولاً» سياسياً، عندما استعجل خلال جولته على رؤساء الحكومات السابقين القول إن حزب الله وفق معلوماته لن يسمّي وزيراً ممن شملتهم العقوبات الأميركية أو السعودية (...)، فالحزب لم يحدد خياراته الوزارية، وكان الحريّ برئيس الحكومة أن ينأى بنفسه وبمهمته من هذه الإشكالية. ففضلاً عن أن الحزب لم يقل كلمته بعد، ماذا يمنع مثلاً أن يبادر الأميركيون والسعوديون إلى وضع اسم أي وزير يسميه الحزب في الحكومة المقبلة على لائحة الإرهاب، فهل سيطلب الحريري من الحزب تسمية بديل له في اليوم التالي؟
توقف بري ونصرالله مطولاً عند معاني وأبعاد اللقاء الذي عقد بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس غداة الانتخابات النيابية، وما يمكن أن يرتّبَ من أثر مستقبلي على العلاقة بين هاتين المرجعيتين، خصوصاً في ظل المقاربة الجديدة على مستوى عدد من الملفات الاستراتيجية. في هذا السياق أيضاً، فوّض السيد نصرالله الرئيس بري أن يتولى إدارة ملف الاستراتيجية الدفاعية عندما يطرح مجدداً على طاولة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية، وخصوصاً أن العهد بدأ يتعرض لضغوط دولية في اتجاه إعادة وضعها على جدول الأعمال السياسي اللبناني في المرحلة المقبلة.
واتفق الجانبان في اللقاء على وجوب أن تكون حكومة الوحدة الوطنية الجديدة «موسعة وتعكس إلى حدّ كبير صحة التمثيل النيابي في ضوء نتائج الانتخابات النيابية، وما أفرزته في جميع البيئات (ضمناً وجود عشرة نواب من خارج بيئة المستقبل)»، ما يعني تقسيم المقاعد الوزارية وفق آلية «نسبية».
ناقش الجانبان مطولاً الملف الاقتصادي والمالي والاجتماعي (قدم وزير المالية علي حسن خليل مداخلة مطولة في هذا السياق)، واتفقا على «مقاربة شاملة ومعمقة للملفات الاقتصادية والمالية والإدارية، حيث تم التأكيد على العمل الجاد لمحاربة الفساد، وتم الاتفاق على الآليات المناسبة لمتابعة هذه الملفات»، ومن بين هذه الآليات وجوب تفعيل المؤسسات الرقابية، مثل هيئة التفتيش وديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة وإدارة المناقصات، فضلاً عن احترام آلية التعيينات التي أقرّها مجلس الوزراء سابقاً باقتراح من وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش، وذلك وفق آلية تعطي دوراً محورياً لمجلس الخدمة المدنية بما يؤدي إلى إفراز الكفاءات والحدّ من المداخلات السياسية والطائفية، حتى إن بري ونصرالله اتفقا على أنهما سيحترمان هما أولاً على مستوى بيئتهما تطبيق هذه الآلية على مستوى وظائف الفئة الأولى في الدولة.
ووفق مصادر الطرفين، فإن كل مفردة تضمّنها البيان الصادر عن الاجتماع تعكس المضمون الدقيق للاجتماع، وخصوصاً في الشق السياسي (الحكومي) والاقتصادي والاجتماعي.
ووفق البيان الذي وزعه حزب الله عن اللقاء، فقد استعرض الطرفان «الأوضاع العامة في المنطقة وما يجري على الساحة الفلسطينية بشكل خاص، مؤكدين على الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله الوطني بكافة الوسائل. كذلك جرى نقاش معمق في الملفات الداخلية، حيث أبدى الطرفان تقييمهما الإيجابي لنتائج الانتخابات النيابية والمشاركة الشعبية الواسعة التي أكدت الالتزام بخيار المقاومة وبناء الدولة ومؤسساتها والمشروع السياسي الذي يحمله حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهما».
بري لـ«الأخبار»: استعجال التأليف الحكومي
وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري اللقاء الذي عقد بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، «بعد طول غيبة»، بأنه «كان ممتازاً جداً»، وقال لـ«الأخبار» أنا والسيد حسن نصرالله متفقان إلى حد التطابق في غالبية العناوين التي تطرقنا إليها، سواء الإقليمية أو المحلية، وفي الأولوية منها وجوب الاستعجال في تأليف الحكومة الجديدة.
ورداً على سؤال، قال بري أنا في الأساس من أكثر المتحمسين والمنادين بوجوب محاربة الفساد وعدم التهاون في هذه القضية، خصوصاً أننا أمام مخاطر تهدد الجميع من دون استثناء.
وإذ شدد على تجذر ورسوخ العلاقة بين حركة أمل وحزب الله، جدّد بري القول: «أنا والسيد حسن نصرالله جسدان في قلب واحد».