يلاحظ المراقبون أنّ استشارات التأليف الحكومي تتزامن مع اختلاط التعقيدات الداخلية اللبنانية بالتطوّرات الخارجية. ففي وقتٍ يتخوّف البعض من تأثير ما يَجري حالياً في الخارج، وتحديداً في الإقليم على التأليف، يرى البعض الآخر وجوبَ عدمِ الاستهانة بحجم التعقيدات الداخلية في ظلّ النزاع القائم حول الأحجام السياسية والطوائفية، خصوصاً في ضوء النتائج التي أسفرَت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة.


ويُنتظر أن لا يدخل الرئيس المكلّف خلال استشاراته النيابية في التفاصيل، لكي لا يلتزم مسبَقاً بأيّ شيء، بل سيكون مستمعاً أكثر منه محاوراً. ويترافق كلّ ذلك مع رفعِ الكتل النيابية سقوفَ مطالبها التوزيرية، ووضعِ شروط مسبقة، وكذلك يتزامن مع رسمِ هيكلية الحكومة الجديدة، حتى قبل أن تبدأ الاستشارات.


وتتحدّث معلومات عن وجود نوع من الامتعاض في «الوسط السنّي» من «محاولة وضعِ اليد» على دور الرئيس المكلّف، لا بل على صلاحياته، ومِن أطراف مختلفة، ولا سيّما منها الشيعية والمسيحية، ما دفعَ بعضَ القريبين من الحريري إلى نُصحِه بضرورة رسمِ حدود صلاحياته، لأنّ الوضع السنّي لا يتحمّل مزيداً من اللكمات التي تتوالى عليه منذ التسوية الرئاسية حتى الآن، والتي بَرزت معالمُها في نتائج الانتخابات النيابية، سواء في طرابلس أو في بيروت.


وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري الذي يستعدّ لزيارة المملكة العربية السعودية بعد إنهاء استشاراته، ينطلق في مهمّته اليوم، من قاعدة أنّ الجميع يستعجل تأليفَ حكومة وحدة وطنية لتبصرَ النور في أسرع وقتٍ ممكن، خصوصاً وأنّ التحدّيات التي تواجهها البلاد تستوجب ولادةً حكومية سريعة. وبالتالي فإنّ الحريري يرى أنّ هذه الولادة يفترض أن لا تتأخّر طويلاً، خصوصاً أنّ نيّات الجميع بالاستعجال والتسهيل وعدم العرقلة، صادقة.


وفي المعلومات أيضاً أنّ الحكومة الجديدة ستكون إلى حدٍّ كبير كالحكومة الحاليّة التي تصرّف الأعمال. علماً أنّ الحريري الذي لم يتبلّغ رسمياً من أيّ طرفٍ سياسي أيَّ شيء بالنسبة إلى المطالب والأحجام، يرفض البناءَ على ما هو متداوَل إعلامياً، بل سيَستمع اليوم إلى مطالب الكتل والنواب، ولا نيّة لديه لعزلِ أو تحجيمِ أحد، بل سيَسعى إلى تأليف أفضل حكومة ممكنة، آخذاً في الاعتبار التوازنات القائمة بالمقدار المستطاع، وهو على هذا الأساس، سيتعامل مع تمثيل «القوات اللبنانية» انطلاقاً من حجمها التمثيلي الذي توسَّع في الانتخابات النيابية، وسيَسعى إلى إعطائها حصةً وازنة.

 

بعبدا مرتاحة


وعشيّة استشارات التأليف، أبدت مصادر القصر الجمهوري ارتياحها إلى «عبور البلاد المحطات والمراحل التي تحدَّث عنها الدستور لإعادة تكوين السلطة وتأليف الحكومة التي بها يكتمل عقدُ المؤسسات الدستورية في البلاد الواقفة الآن على قاب قوسين أو أدنى من ولادة «حكومة العهد الأولى» التي راهنَ عليها بعد الانتخابات وما انتهت إليه من ولادة قوى وتكتّلات نيابية تنبئ بمسارٍ جديد ستسلكه الأوضاع في المرحلة المقبلة».


وسخرت المصادر «من التشكيلات الحكومية التي تمّ تسريبها أمس»، ووصَفتها بأنّها «هزلية توحي بوجود دوائر ترغب بالتشويش على تأليف الحكومة الجديدة والإيحاء بأنّ هناك مطابخَ خارج هذه المؤسسات الدستورية». ولفتت إلى «أنّ الحديث المتنامي عن حصص وزارية لم ينتهِ بعد إلى صيغة نهائية وأنّ ما جرى حتى الآن لا يعدو كونه عرضَ مواقف وتمنّيات خارج إطار المؤسسات الدستورية».

 

الراعي


وفي هذه الأجواء، رسَم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خريطة طريق لتأليفِ الحكومة من دون أن يمسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو المجلس النيابي، فجاءت خريطة طريق وطنية شاملة لجميع الأطراف تتخطى الانقسامات.


فقبَيل سفرِه إلى باريس على رأس وفد كنَسي يضمّ مطران بيروت للموارنة بولس مطر والمطران بولس عبد الساتر، للقاءِ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غداً الثلثاء، وكذلك لقاء رئيسَي مجلس النواب والحكومة ورئيس مجلس الشيوخ وأبناء الجالية اللبنانية، ناشَد الراعي القوى السياسية «ضبطَ شهيتِهم عن مصالحهم التوزيرية، والنظرَ إلى مصلحة لبنان والتحدّيات الكبيرة التي يواجهها على مختلف الصُعد، فتتألف الحكومة في أسرع وقتٍ ممكن».

 

وقال: «نصَلّي اليوم لقيامِ الدولة القادرة والمنتِجة عندنا في لبنان، ومن أجلِ تأليف حكومة جديدة سياسية وتكنوقراطية متكاملة ومتفاهمة، تكون على مستوى التحديات التي أشار إليها فخامة رئيس الجمهورية في مأدبة الإفطار في القصر الجمهوري الأربعاءَ الماضي، وهي الوحدة الداخلية وإعطاءُ الأولوية للمصلحة الوطنية، إقرارُ خطة للنهوض الاقتصادي، وضعُ أسسٍ عملية لحلّ مشكلة النازحين السوريين المتفاقمة؛ مكافحة الفساد المستشري في إدارات الدولة».

 

ودعا إلى إجراء «الإصلاحات في القطاعات والهيكليات الإدارية والمالية، وتحديثها»، معتبراً أن هذه «إصلاحات تعهّدت بها الحكومة اللبنانية أمام الدول الداعمة والمانحة، وخصوصاً في مؤتمر CEDRE بباريس في 6 نيسان الماضي، فضلاً عمّا طُولِب به في مؤتمر روما (15 آذار) وبروكسيل (24-25 نيسان).. وأثنى على الفعاليات الاجتماعية التي أنشَأت «حركة الأرض» انطلاقاً من مبادئ وثوابتَ وطنية تعني جميعَ اللبنانيين، وقد أشار إليها المجمعُ البطريركي الماروني (2003-2006) في نصٍّ خاص بعنوان «الكنيسة المارونية والأرض».


«الحزب»


في هذا الوقت، أكّد «حزب الله» بلِسان النائب حسن فضل الله، أنّ «أوّلَ يوم للبدءِ بالحديث الجدّي عن التشكيلة الحكومية هو الاثنين»، ونفى «وجود أيّ توزيع أو تشكيلات لوزارات كما يُتداوَل».


من جهتِه، أعلن الشيخ نبيل قاووق أنّ الحزب «يستعدّ لمشاركة فاعلة وقوية ووازنة في الحكومة الجديدة»، وجدّد «التمسّكَ باستراتيجية التكامل بين الجيش والمقاومة»، مشيراً إلى «أنّ المقاومة تستعدّ وتُحضّر لتصنعَ نصراً أكبر مِن أيار العام 2000 وأكبر من تمّوز العام 2006».

 

«اللقاء الديموقراطي»


ودعا عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور إلى «الابتعاد عن المنطق والمناخ الانقلابيَين، كما سبقَ وعبَّر عن ذلك عددٌ مِن القوى السياسية سابقاً، والانقلابِ على الحقائق والتوازنات السياسية في البلاد»، مشدّداً على أنّ «أيَّ حكومةٍ مقبلة يجب أن تحترم نتائجَ الانتخابات النيابية». كذلك شدّد على وجوب «أن لا يتمّ استغلال شعار أو فكرةِ حكومة وحدة وطنية لإعادة توزير أو افتعالِ بعضِ الكتل النيابية والانقلاب على نتائج الانتخابات»، معتبراً «أنّ الكتل الخُلّبية والمبتدعة أو الكتل التي صُنعت في ذات ليل لا مكانَ لها في منطق حكومة الوحدة الوطنية الحقيقي التمثيلي».

 

الأمم المتّحدة


وسط هذا المشهد، بَرزت أمس محادثات أممية في إيران، حيث التقت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان برنيلا دايلر كاردل وزيرَ الخارجية محمد جواد ظريف والمساعدَ الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي أمير حسين عبد اللهيان.


واعتبرَت كاردل «أنّ الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان كانت إنجازاً كبيراً، لكنّها ليست نهاية المهمّة، وينبغي أن نكون قادرين على المساعدة في استقرار لبنان».


وأكّدت «أنّ تحقيق التنمية الاقتصادية في لبنان وحماية اللاجئين السوريين من ضِمن أولوياتها»، آملةً في التوصّل إلى «اتفاقٍ شامل في إطارٍ سياسيّ حول هذه القضايا». وأشارت إلى عدمِ وجود ضمانات بعدم وقوع حربٍ أخرى في الظروف الراهنة، وقالت: «يجب أن نعمل جنباً إلى جنب مع الإجماع العالمي لاتّخاذ قراراتٍ صائبة ومنعِ نشوبِ حربٍ جديدة في المنطقة». واعتبَرت «أنّ تطوّرات المنطقة مترابطة، وينبغي أن تسعى دولُ المنطقة إلى إبعاد شبحِ الحرب عن لبنان وعدمِ السماح بتورّطِه في الأزمات الإقليمية».


مِن جانبه أكّد ظريف «تطلُّعَ إيران ورغبتَها في تعزيز الاستقرار والأمن في لبنان»، مشيراً إلى «ضرورة احترام تصويتِ الشعب اللبناني ورغبتِه».


بدورِه، اعتبَر عبد اللهيان «أنّ الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسعودية تحاول من خلال تحالفها إثارةَ أزمةٍ جديدة في المنطقة». وأبدى ارتياحَه إلى نجاح الانتخابات الأخيرة في لبنان، وقال: «لحسنِ الحظ ومِن خلال حكمة المسؤولين اللبنانيين، نشاهد مرحلةً من الهدوء والاستقرار والتفاهم بين التيارات السياسية في هذا البلد، ولهذا السبب فقد أُجريَت الانتخابات اللبنانية الناجحة في أجواء هادئة، وإنّ نتائجَها تأكيد لسيادةِ العقلانية والحكمة في لبنان، ويَحدونا الأمل في أن تؤلّف الحكومة اللبنانية في أقصر فترةٍ ممكنة».

 

إسرائيل


وفي المقابل، أعلنَت إسرائيل أنّها لن تسمح بإنتاج سلاحٍ في لبنان أو استقباله في سوريا. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يعمل على إحباط تحويلِ «الأسلحة الفتّاكة من سوريا إلى لبنان أو إنتاجها في لبنان».