تبدو مهمة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري صعبة جداً لناحية إرضاء جميع الكتل النيابية في البرلمان الجديد .
حيث أن العدد الكبير من الكتل النيابية التي أفرزتها الإنتخابات النيابية في ٦ أيار الماضي ، و ال ١١١ صوت الذين فوّضوا الحريري تشكيل الحكومة ، سيكونون عبء على الرجل ليقنعهم جميعا ببعض التنازل من أجل أن تُبصر الحكومة الجديدة النور .
وفي هذا الإطار ، تم التداول بمسودّة لتشكيلة الحكومة صادرة عن جهات مقرّبة من قوى ٨ آذار ، لكن مصادر النشرة وضعتها في سياق أحاديث الإعلاميين فقط ، حيث إنتُشرت بالخطأ عبر الواتسآب.
لكن مع هذا ، فمشكلة إقناع كل هذه الكتل بحاجة إلى معجزة وإن كانت غير مستحيلة في ظل الحديث عن حكومة من ٣٢ وزيراً.
وبرزت إشكالية جديدة على خط التأليف وهي حصة رئيس الجمهورية ميشال عون في الحكومة القادمة والتي يريدها منفصلة عن حصة التيار الوطني الحرّ الذي كان يرأسه .
فالرئيس عون في حكومة الحريري الثانية حصل على حصّة وزارية خاصّة به من ٣ وزراء لا علاقة لها بحصة التيار ، وهو يريد إعادة الكرّة في حكومة الحريري الثالثة .
هذا الأمر فتح سجالاً سياسياً وميثاقياً في البلد حول مشروعية هذا المطلب ، خصوصاً أن عون قبل أن يصل إلى الرئاسة سبق وأن طالب بإقرار مادة في الدستور حول القضية والتصريح بأن لرئيس الجمهورية الحق في الحصول على حصّة وزارية في حال لم يكن لديه كتلة نيابية ، أما في حال وجود هذه الكتلة فتنتفي الحاجة .
إقرأ أيضا : وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحنُ مُصلحون
دستورياً إذاً ، لا يوجد نص يُعطي الحق لرئيس الجمهورية بهذه الحصّة ، وميثاقياً الأمر سيُؤدي إلى خلل على مستوى الرئاسات الثلاثة ، حيث أن رئيسي المجلس النيابي والوزاري لا يمتلكان هذه الحصة ، بل يكتفيان فقط بحصة كتلتهما.
لكن هناك رأي بالمقابل يقول أن الدستور صحيح لم يُصرّح بهذا الحق لكنه في الوقت عينه لم يقل عكس ذلك بل ترك الأمر مفتوحاً على مصراعيه .
ويستند هؤلاء على وقائع حصلت وتحصل يومياً ، فمثلاً الدستور اللبناني لم ينصّ على طائفة الرؤساء الثلاث ولم ينص على حصرية بعض الوزارات لبعض الطوائف كما يحصل اليوم مع وزارة المال ، وهذه الوقائع مع الوقت أصبحت وستُصبح عرفاً ، والعُرف له قوّة القانون .
بمعنى ، أن ليس كل ما لم ينصّ عليه الدستور هو بالضرورة غير مسموح به ، وبهذا المنطق يتسلّح هؤلاء.
وإن كان هذا المنطق يشوبه العديد من العيوب ، لأنّه سيُؤدّي ببساطة إلى الفوضى ، إلاّ أن العقل يقول أن لكل شيء ضوابط ، وضوابط هذا المنطق أن لا يتعارض مع الأعراف والميثاقية .
وفي قضية حصّة الرئيس في الوزارة ، لا يوجد نصّ دستوري عليها ، وهي ليست بالعرف ( الإستثناء الوحيد في حكومات بعد الطائف كان حكومة الحريري الثانية ) وهي أيضاً تؤدي إلى خلل ميثاقي على مستوى الرئاسات الثلاثة ، فكما يحقّ لرئيس الجمهورية بحصّة من خارج تكتله سيُطالب غداً رئيسي الحكومة والمجلس بذلك ، وعندها سندخل في سجالات عقيمة لا نهاية لها .
ولو إفترضنا في الحكومة المقبلة أن الرؤساء الثلاثة سيُطالبون بهذه الحصة ، فهذا يعني أن حصصهم مجتمعين ستكون ٩ وزراء ، يُضاف إليهم ٩ وزراء آخرون ( ٣ لكل كتلة يتزعمونها ) فالعدد يُصبح ١٨ وزيراً ، ويبقى ١٢ وزيراً لباقي الكتل في حكومة ثلاثينية ، فكيف سيتم إرضاء القوات والإشتراكي والمردة والسنة المستقلون والكتائب والمجتمع المدني بعد ذلك ؟
فالقوات مثلاً تُطالب بالحدّ الأدنى ب ٣ وزارات ، كذلك الإشتراكي ، ولكم أن تتخيّلوا حجم الفوضى الناتجة عن ذلك .
لذلك ، من الأفضل أن يتعاطى رئيس الجمهورية مع ملف الحكومة بمنطق " الأبوّة " فتُصبح كل الحكومة بجميع أعضائها هي حصّته.