عرفناها تلك الفتاة العشرينية التي حاولت اغتيال قائد ما كان يسمى سابقاً بجيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل في العام 1988، أنطوان لحد، هي زهرة الجنوب، سهى بشارة. نجا حينذاك لحد من العملية، واعتقلت سهى عشر سنوات في معتقل الخيام، قبل أن يطلق سراحها في العام 1998 في عملية تبادل للأسرى. سنوات الاعتقال كانت كفيلة بأن تتحول سهى من شابة عادية الى أيقونة للمقاومة اللبنانية، ورمز لا بد من التوقف عنده في ذكرى التحرير.
تروي سهى لـ "النهار" تفاصيل الاحتلال وما عاشته في تلك المرحلة كأنها حدثت بالأمس، الصور ما زالت راسخة في ذاكرتها ترفض حذفها، تعود لسنوات نسيها البعض، تحكي عن أساليب التعذيب الجسدية والنفسية، وعن مواجهتها اليومية للإسرائيليين وعملائهم. تتحدث عن أيام أنهكتها، وأتعبتها لكنها لم تهزمها، وها هي اليوم تستعيد شريط ذكرياتها بضحكة وغصة.
وفي عيد التحرير تمنت بشارة "أن يستكمل التحرير بوطن يحترم مواطنيه، وتسوده العدالة الاجتماعية والمساواة، والأهم التعامل مع المواطن كإنسان، إضافة لحرية التفكير، وهي قضايا يجب التوقف عليها في ذكرى التحرير. فنحن خلقنا للفرح والعيش لا للموت، فالحلم بعد التحرير هو بناء الوطن".
وعن ذكريات المعتقل والتحرير تؤكد سهى أنّ التحرير كان ثمنه غالياً، فدماء الشهداء وعذابات الجرحى كانت السنابل التي أزهرت نصراً وتحريراً، كذلك عذابات الأسرى "التي شاهدتها بأم عيني وذقت طعمها، فوقع الاحتلال على الأهالي كان صعباً جداً، والمضايقات للمزارعين والذل كان له وقع مختلف، ولكن ما لا يمكن نسيانه هم المعتقلون داخل السجون، فعدد كبير منهم لم تكن لهم علاقة بالمقاومة ولكن اعتقلوا للضغط على أبنائهم، كذلك اعتقلت العشرات من السيدات فقط لأن أبناءهنّ كانوا في المقاومة، ولكن الأصعب كان تعذيب أصحاب الحاجات الخاصة، اضافةً الى التعذيب النفسي والجسدي والتحرش المستمر وغيرها من الأمور التي لا يمكن لمعتقل أن ينساها رغم مرور السنين.
وعن مراحل السجن تتحدث سهى أن الأصعب كان حرمان البعض من الأغطية فقط لأن المعتقل حاول رسم وردة من الخيوط، فيرى السجان الوردة فيحرمه من الغطاء رغم البرد الشديد، فالاحتلال كان يحاول قتل النفس قبل الجسد".
وترى بشارة أن الاحتلال خلّف ذكريات أليمة للأهالي كحرق أجساد بعض المقاومين أمام أعين أهاليهم، فقد اعتقلت احدى شقيقات احد المقاومين الذين حرق وعلى مدار 4 سنوات كان يتم اخراجها من المعتقل الى مكان حرق شقيقها، مما ترك ندوباً نفسية لديها. ولكن رغم العذاب الكبير والجرح لم يفقد جزء كبير من أهل الجنوب كرامتهم وحبهم للحرية ورفضهم للاحتلال.
وفي عيد التحرير تتمنى سهى أن يستكمل التحرير بإنهاء عذاب الفلسطينيين، فالجرح الفلسطيني لن يندمل بسهولة.