أن يحظى الرئيس سعد الحريري بـ111 صوتاً لتكليفه رئاسة الحكومة العتيدة، يعني أن كل الكتل النيابية تطمح للحصول على مقاعد وزارية. من لم يسمّ الحريري له أسبابه التي تنطلق من خلافات جوهرية مع تيار المستقبل. ولكن، ماذا بعد التكليف؟ كل المعطيات والتأكيدات تذهب في اتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة. أعلن الحريري بعد تكليفه أنه يمدّ يده للتعاون مع الجميع، ولكن كيف في ظل الظروف الإقليمية التصعيدية؟ يعتبر الحريري أن حكومة الوحدة الوطنية حاجة لحماية الاستقرار ومواجهة التحديات، وهناك من يعتبر أنه سيكون قادراً على اقناع السعودية والامارات والدول الغربية بعدم فرض شرط إبعاد حزب الله من الحكومة، لأن الأمر شبه مستحيل، مع تقديم خيار ترك تصفية الحسابات مع الحزب للوقت، وللتطورات الإقليمية، لأن لبنان لا يغيّر بالمعادلات، بل يتأثر بتغيّرها خارجياً.
تسمية كل الكتل الحريري، يعني أن الجميع يريد مقاعد وزارية. وهذه ستكون عبارة عن معركة شدّ حبال يتمنى الحريري أن لا تطول، إذ أكد أن كل الأطراف تريد تسهيل عملية التشكيل. الأمر الذي لاقاه فيه الرئيس نبيه بري الذي دعا إلى مشاورات لتشكيل الحكومة يوم الإثنين، وحصرها بيوم واحد للإسراع في إطلاق عملية التأليف، لأن الوضع الاقتصادي لا يحتمل. فيما هناك من يعتبر أن الاستعجال يهدف إلى الالتفاف على كل احتمالات التصعيد في المنطقة وتطويق ذيوله من الانعكاس على الداخل اللبناني.
ليس محسوماً بعد أن هذا الاستعجال قد يؤتى ثماره. حتى الآن، وفي الشكل العام، ليس هناك ضغوط كبيرة تفرض إطالة تشكيل الحكومة، والنوايا المعلنة تشير إلى سرعة في الإنجاز. ما لم تكن التفاصيل مليئة بالشياطين. لكن، في العناوين السياسية التي طرحت، هناك إشارات لا بد من التقاطها. انتخاب الرئيس ميشال عون جاء على قاعدة اختيار الرئيس القوي. وهذا تكرر مع كل من بري والحريري. وفي ظل قوة حزب الله، يعني أن التسوية أصبحت رباعية. استطاع بري كسر منطق الثنائية نظرياً، كما استطاع الحريري تجاوز مسألة المثالثة نظرياً أيضاً. لكن طرح مسألة الأقوياء في طوائفهم، والتي يرتكز عليها بشكل أساسي الوزير جبران باسيل لتكريس نفسه مرشحاً أساسياً ووحيداً لرئاسة الجمهورية في الدورة المقبلة، ينطوي على تحضير القوات اللبنانية وتيار المردة لأجواء احتمال تحجيمهم.
صحيح أن سمير جعجع زار بعبدا على رأس كتلة القوات، متمنياً ان "يحصل بالثنائي المسيحي ملثما هو حاصل بالثنائي الشيعي في الحكومة، ومن يدخل في تكتلات نيابية متعددة عمله غير جدي، ونحتاج إلى عمل جدي في هذه الحكومة". هذا الموقف حمل إشارات أساسية من جانب جعجع، ردّاً على محاولات محاصرة القوات، ورداً على قول باسيل إن القوات لا يحق لها بكتلة توازي كتلة التيار الوطني الحر وحلفائه. وهذا ما ركّز عليه البحث بين جعجع وعون، إذ أكد رئيس حزب القوات دعمه العهد، ولكن بشرط أن لا يكون هناك محاولات لإلغاء جديدة، مع استمرار القوات بتمسكها بحقائب أساسية من بينها حقيبة سيادية.
في المقابل، هناك من يتحدث عن محاولات لإحراج القوات وإخراجها من الحكومة، مع تسجيل امتعاض القوات بشأن الموعد الذي حدد لها في الاستشارات، إذ لم تدرج بين الكتل الكبرى، فيما هناك من يعتبر أن كل الكلام عن استعجال التأليف يهدف إلى إحراج القوات. وهناك عقبة جديدة ستواجه هذه المعادلة الرباعية على قاعدة الأقوياء، هي إعارة كتلة نيابية للنائب طلال ارسلان ليتمثّل بوزير. وهذا يعني أن معادلة الأقوياء داخل طوائفهم سقطت عند الدروز، وسط محاولات يستشرفها الحزب التقدمي الاشتراكي لتطويقه أيضاً. فيما أكدت مصادر متابعة أن اللقاء الأخير بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أكد فيه الأول للثاني أنه لن يسمح بتطويقه، وأنه ملتزم بالتحالف معه. وهنا يؤكد النائب هادي أبو الحسن أن الاشتراكي يطالب بثلاثة وزارات ولن يتنازل أو يتراجع أبداً.