أكد رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، في كلمة له خلال افتتاح المؤتمر الذي نظمه "بيت المستقبل" بالتعاون مع مؤسسة "كونراد اديناور" تحت عنوان "الأمن في خضم الانحلال" في بيت المستقبل في سراي بكفيا، أنه "يمر الوطن العربي في هذه الآونة بأزمات طاحنة، وهذه الأزمات الطاحنة تطرح قضيتين مهمتين تمثلان مصدرا لتغذية وتعميق حالة التراجع والانحسار للأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وهما أولا، وجود أقطار عربية باتت مهددة بالانزلاق إلى مصاف الدول الفاشلة، بل إن بعضها مهدد بالتفكك والتشرذم ككيانات سياسية وثانيا، تمدد أدوار الفاعلين السياسيين من غير الدول الذين يمارسون العنف وتعد التنظيمات الجهادية الإرهابية العابرة لحدود الدول، وفي مقدمتها "تنظيم داعش"، التجسيد الأبرز لهذه الظاهرة. في مواجهة مخاطر التمزق والتفكك"، متسائلاً "ما هو السبيل للخروج من تلك المآزق"؟
ونوه الى أنه "مما لا شك فيه، أن المشكلة الأساس في المنطقة العربية، هي المشكلة الفلسطينية، فما جرى ويجري من اعتداء وتنكيل واقتلاع للفلسطينيين من ديارهم على النسق الذي يستمر عليه الاحتلال الإسرائيلي في ممارساته الإجرامية في القدس والضفة الغربية، وقطاع غزة، وكذلك في محاولاته المستمرة من أجل تصفية القضية الفلسطينية برمتها، يقتضي عملا عربيا تضامنيا لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، ولتعزيز الصمود لدى الفلسطينيين أينما كانوا كذلك فإنه يقتضي عملا جادا وعقلانيا ومنظما من أجل تظهير طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتظهير ممارساته الفاقعة للتمييز العنصري من أمام الرأي العام الدولي ومن جانب آخر لتظهير فكرة المبادرة العربية للسلام كحل منطقي وعادل ودائم للمشكلة الأساس في الشرق الأوسط واستمرار الثبات عليها، ومن دون تنازلات إضافية، بكونها المفتاح الأساس لحل الكثير من المشكلات في المنطقة العربية".
كما رأى انه "وعلى الرغم مما سبق إليه القول فما تزال هناك إمكانية لنجاح المقاربات في تطوير بوصلتنا فبعض الدول العربية الكبرى، ولاسيما تلك التي تتمتع بالاستقرار والقدرة على الحركة وصناعة القرار الوطني والقومي، قادرة، بالتضامن والتعاون والتكامل الأمني والاقتصادي فيما بينها على المبادرة إلى وضع وتعزيز الخطط ذات الأبعاد الاستراتيجية المستندة الى نظام المصلحة العربية وأن تعمل على بناء وتعزيز الأمن القومي العربي حماية وتحصينا لأمنها في الوقت ذاتهط، لافتاً الى أن "ذلك بما يمكن تلك الدول أن تؤثر إذا أجمعت في ما بينها على أمرين اثنين أساسيين الأول في مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية المضطربة أو المهددة بالاضطراب، مثل سوريا وليبيا واليمن والصومال. والأمر الثاني، العمل في الدواخل المضطربة من أجل التوصل إلى وقف النار وإلى وقف العنف، وإجراء المصالحات، والتمهيد لإعداد دساتير جديدة، والمساعدة على إجراء انتخابات ديمقراطية، والإسهام في إعادة بناء الجيوش الوطنية والقوى الأمنية الأخرى".
واعتبر السنيورة ان "هناك ضرورة لاتخاذ موقف واضح وصريح وحازم أيضا، من الدولة الإقليمية الجارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية يقوم على التأكيد على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل الذي يجب ان يحكم العلاقة العربية الإيرانية بما يؤدي إلى الحد من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وطالب بوجوب التنبه إلى أن إيران لا تستطيع الاستمرار في الامتداد والتخريب الذي تسببت وتتسبب فيه حتى الآن، وذلك على قاعدة واقعية تتمثل بتداعيات إرغامات التعب والإنهاك والضيق الذي يتسبب به ذلك التورط المتمادي والمنفلش من جهة والتداعيات الناتجة عن العقوبات الدولية المفروضة عليها من جهة ثانية. أكان ذلك على اقتصادها أو على سياساتها ونسيجها الاجتماعي، إن هذا يقتضي اعتماد دبلوماسية مبادرة تستند إلى موقف عربي متماسك يبين المخاطر التي قد تحدث إذا استمر الحال على ما هو عليه من تدخل وتخريب وكشرح في ذات الوقت- للفرص والمنافع القائمة على تنمية المصالح المشتركة جراء المبادرة إلى التعاون البناء بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وذكر أن "هناك حاجة لتوضيح العلاقات التي تربط بين العالم العربي وتركيا وأهمية التأكيد على مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلى قاعدة تنمية المصالح المشتركة، وفي حالتي إيران وتركيا، فإن المصالح المشتركة القائمة والكامنة هي كثيرة وكثيرة جدا ولا بد من التركيز والبناء عليها، وإن الدول العربية المشرقية الأكثر مسؤولية في هذا الشأن هي المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية لأنهما الدولتان العربيتان الأكبر، ويمكن أن يشترك في هذا الجهد دول عربية أخرى مثل الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك أيضا المملكة المغربية في المغرب العربي. ولكل من تلك الدول علاقات مقبولة إلى جيدة مع الأطراف الكبرى المتناحرة أو المتنافسة على المنطقة، بما في ذلك الدول الإقليمية والكبرى، بما يسهم في اكتساب ثقة الأطراف المتباينة والعمل معها من أجل حضها على الاستماع إلى صوت العقل، وكذلك من أجل التعقل والإدراك العميق للمصالح المشتركة في ما بينها في الحاضر والمستقبل. ثم إن لكل من هذه الدول الإقليمية والدولية مصالح قوية جدا في العمل على تعزيز الاستقرار في الدول المضطربة للحؤول دون التداعيات السلبية الناتجة عن تفاقم مشكلات المهاجرين والهجرة غير الشرعية، وبسبب تفشي الإرهاب وصعود الأنظمة الفاشية والشعبوية. إن هذا يبين الحاجة المتعاظمة للمحاذرة من تداعيات التردي السياسي والأمني والاقتصادي في تلك الدول المضطربة على أوروبا وغيرها من دول العالم المتقدم".
وشدد على "استعادة الاستقرار بالدواخل المضطربة بالتدريج، وتأمين انتقال سلمي بقدر الإمكان بعد توسطات وقف النار. ويكون ذلك بالعمل على المصالحات، وصناعة مناطق آمنة يمكن أن تتحدد وتمكن بالتالي من عودة المهجرين قسرا إلى ديارهم وذلك أشد ما ينطبق على سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال والسودان. وكذلك أيضا التشارك مع بعض تلك الدول في إنجاز دساتير تكون محتضنة لكل المكونات في تلك الدول المضطربة ولا تكون مهمشة لأي منها. وأيضا، وأيضا ضامنة لمصالح تلك المكونات في الحاضر والمستقبل".
واعتبر أن "الموضوعين الرئيسيين للتضامن العربي هما أولا، استنقاذ الدولة الوطنية واستعادة الثقة بها وضمان سيادة الحكم الصالح والرشيد فيها والتأكيد على الالتزام بمبادئ القانون والنظام، وثانيا، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين. وهما عاملان رئيسيان في صنع الاستقرار. بل إن الاستقرار لا يمكن تصوره بدون الوصول إليهما. ولا شك أن التمهيد الجوهري لما نحن بسبيله هو تقوية العمل العربي المشترك، بعد أن كادت الجامعة العربية تهلك، تحت وطأة النزاعات والانقسامات"، لافتاً الى أن "عوامل استعادة الاستقرار وإعادة بناء الدولة الوطنية العربية، هي أمور ضرورية تعتمد على بناء دولة القانون والمؤسسات والمشاركة السياسية، وتوفير العدالة الاجتماعية بالتنمية وحكم القانون، وتطوير أنظمة التربية والتعليم، وتجديد الخطاب الديني".
من جهته، أعلن السفير الالماني مارتن هوت أن "هذا المؤتمر يجمع ديبلوماسيين وخبراء مهتمين بالمنطقة معظمهم ينظر بسخط الى ما يجري فيها"، ذاكراً أنه "انطلاقا من الخطابين السابقين من السهل التساؤل حول منطق وفعالية السياسة الخارجية في السعودية، في اليمن؟ وهل لدى ايران بعض المخاوف المحقة؟ من السهل علينا ان نتفاجأ في المنطق الصادر عن البيت الابيض، انتقدوا ترامب على عقد قمة مع كوريا الشمالية فألغيت".
ونوه الى أن "ما احاول قوله، هو ما يقلقنا، هو الوسائل المستخدمة في الديبلوماسية الدولية واهدافها. من غير السهل متابعة التطورات الحاصلة فالاحداث متسارعة ما يؤثر على صانعي القرار. هل نؤثر على هذه الاحداث؟ العمل الديبلوماسي يقتضي الاستماع والفهم، وأرى انه في بعض الاحيان فقدنا القدرة على الانصات والفهم، ولهذا فشلنا في مكان ما. علينا ان ندرك ان العالم متعدد الالوان، علينا الانفتاح على الجميع".
كما نوه الى"حقائق جديدة طرأت في هذه المساحة الجغرافية، فنحن ندخل في مرحلة ما بعد داعش، ولكن ندخل ايضا في مسار ما يعرف بمسار الاستانا، وهو ليس شاملا. وفي في ظل الوقائع التي تحصل وكممثل للغرب، نطرح سؤال: كيف اصبحنا في هذه الحالة؟ الاجابة هي نظرا لدور ايران في المنطقة؟ ما هو مشروعها؟ من الصعب بالنسبة الي ان اجد جوابا؟ هناك حلقة صغيرة من الاشخاص الذين يتواجدون حول المرشد، وهذه القرارات الجوهرية كيف ستؤثر على المنطقة بعد خمس سنوات"؟
وختم بالقول "بعد تعيني كسفير في لبنان، كان لدي شعور ان بيروت ستكون المحفل الانسب لتقريب وجهات النظر بين السعودية وايران ولكني فوجئت باننا عاجزون عن ذلك، اتمنى ان نلعب دورا في هذا العالم المجنون".