أولاً: الحربُ أولها الكلامُ...
عندما ظهرت كتائبُ العباسيين في خراسان لابسين السواد، كتب نصرُ بن سيّار (وكان والي الأمويين عليها) إلى يزيد بن عمر بن هُبيرة (وكان والياً على العراق) ويمتنع عن مدّه بالرجال:
أرى خلل الرماد وميض جمرٍ
ويوشكُ أن يكون لها ضرامُ
فإنّ النار بالعودين تُذكى
وإنّ الحرب أولها الكلامُ .
وكان رئيسُ التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل (رجُل العهد العوني الأول) قد بدأ منذ مُدّة، وخلال الحملة الانتخابية، يُصوّبُ الكلام ضُدّ رئيس القوات الدكتور سمير جعجع، في سبيل فوز باسيل بمقعده النيابي الخاص، وفي سبيل الهدف المرتجى وهو تحجيم القوات اللبنانية، ومنع سمير جعجع تحديداً من الخروج ضافراً في الإنتخابات النيابية بانتظار المنازلة الكبرى على رئاسة الجمهورية بعد حوالي أربع سنين ونيّف.
إقرأ أيضًا: من لبكي إلى صباغ إلى يعقوبيان .. سؤالُ الهوية المُمزّقة
ثانياً: حرب الإلغاء الثانية..الجولات التمهيدية...
بدأت طلائع حرب الإلغاء الثانية بادية واضحة خلال أول جلسة نيابية، إذ خسر مرشح القوات لنيابة رئيس المجلس أمام مرشح التيار العوني إيلي الفرزلي، وما لبث أن خسر مرشح القوات لعضوية أمانة سرّ المجلس النيابي لصالح النائب ألان عون، وما لبث النائب عون حتى استكمل هجومه على القوات في معركة نائب رئيس الحكومة، ليُعلن عزم التيار على استرداد المنصب من القوات، باعتباره عُرفاً من حصّة رئيس الجمهورية، وكان الرئيس عون (بفضل كرمه ونُبل أخلاقه) قد تنازل عنه لصالح القوات، ذلك أنّ حبر تفاهم معراب لم يكن قد جفّ بعد عند تأليف حكومة العهد الأولى.
ثالثاً: المعركة الضارية..تحجيم القوات في الحكومة...
ستشهد الأيام القادمة معركة ضارية من قبل التيار الوطني الحر وحلفائه لتقليص حجم القوات داخل الحكومة العتيدة، ولن يُوفّر خصوم القوات سلاحاً فتّاكاً دون استعماله، ولن يتركوا مكيدة أو خديعة أو مناورة إلاّ وسيجري اللجوء إليها لمنع القوات من الحصول على حصّة وافية وعادلة تتناسب مع تمثيلها النيابي، فخصوم القوات على درجة عالية من التّصلُّب اتجاهها (التيار الوطني مع حزب الله والقومي السوري)، مضافاً إليهم شخصيات عدّة موالية للحزب والنظام السوري (اللواء جميل السيد والوزير عبدالرحيم مراد والنائب أسامة سعد)، أمّا حلفاء جعجع فيتحلّون باللين والضعف والتّردُّد ، وأبرزهم الرئيس الحريري والتّقدمي الإشتراكي، مع اعتبار الرئيس بري دائماً في خانة الخصوم للقوات، نظراً لارتباطه الوشيج مع " حزب الله" ، وعلاقاته المُلتبسة مع الرئيس عون.
حربُ إلغاءٍ ثانية، ستكون أشدُّ ضراوةً من الحرب الأولى بداية التسعينيات من القرن الماضي، فالأولى كانت عسكرية (حيث يصعب الحسم)، أمّا هذه فهي سياسية بامتياز، وعليها سيتوقف مصير الرئاسة الأولى بين "الاعدقاء": سمير جعجع وجبران باسيل.