عاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن فكرة حكومة الأكثرية التي أفرزتها الانتخابات النيابية بعدما لمس من المشاورات التي أجراها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ومع حلفائه الآخرين، عدم الرغبة في مثل هذه الخطوة نظراً لتداعياتها على الوضع الداخلي بصورة عامة وعلى مسيرة عهده الذي يتطلع لأن يكون حافلاً بالانجازات على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبادر إلى طرح حكومة الوحدة الوطنية التي تضم كل الأفرقاء الموجودين على الساحة الداخلية، وشرح الأسباب التي جعلته يطالب بمثل هذه الحكومة، وفي مقدمتها تحصين الوضع الداخلي في وجه التحديات الكثيرة التي تواجه لبنان.
هذا الطرح الجديد لاقى ترحيباً من كل الاطراف السياسية العاملة على الساحة الداخلية، وبدأ كل فريق يعمل للحصول على حصة في الحكومة العتيدة تتناسب مع وزنه النيابي، مستبقاً بذلك مرحلة التكليف كونها أصبحت محسومة للرئيس الحريري الذي حافظ في الانتخابات النيابية على موقعه الأقوى في الطائفة السنية اضافة الى كونه الأقرب الى رئيس الجمهورية وتياره السياسي الذي يُشكّل أكبر كتلة نيابية في المجلس الجديد المنتخب، فضلاً عن انه يحظى بتأييد معظم الكتل النيابية إذا لم يكن جميعها ككتلة المقاومة وحركة أمل وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي اضافة إلى كتلة القوات اللبنانية وكتلة المردة.
وقد أكدت كل هذه الكتل على دعمها تكليفه تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي لا تستثني أحداً على أن يكون لكل من هذه الكتل حصة كاملة في الحكومة العتيدة مع مراعاة وزنها النيابي والسياسي. وكان اللافت في هذا السياق الشروط المسبقة التي وضعها حزب الله ومعه حركة أمل وبين هذه الشروط تضمين البيان الوزاري ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة ومنها ايضا إسناد وزارة المالية إلى شيعي حتى يكون للطائفة حق التوقيع الثالث ومنها أيضا وأيضاً حصول حزب الله على وزارات خدماتية خلافاً لما كان يقبل به في الحكومات التي تشكّلت بعد حرب تموز وحتى الآن.
وفي المقابل، طالبت القوات اللبنانية بوزارة سيادية تتناسب مع حجمها إضافة الى رفع حصتها في الحكومة العتيدة بما يتناسب أيضاً مع حجمها وهو ما يرفضه التيار الوطني الحر ويحرص على ان يستأثر هو بمعظم حصة المسيحيين كما كان الحال في حكومة تصريف الأعمال.
وفي السياق نفسه تأتي شروط الحزب التقدمي الاشتراكي بوجوب حصوله على حصة الطائفة الدرزية في الحكومة العتيدة، خلافاً لما كان عليه الحال في كل الحكومات السابقة وفي حكومة تصريف الأعمال، حيث كان الأمير طلال أرسلان يُشارك في الحكومة إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي.
أمام كل هذه الشروط التي طرحتها الأطراف السياسية بات موجباً طرح السؤال الذي تتداوله الأوساط السياسية المراقبة لمسار العملية الوزارية: هل بإمكان الرئيس الحريري الذي أصبح تكليفه مضموناً ان يوفق بين كل هذه الشروط والمطالب وينجح في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يريدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سنداً لإنجاح عهده المهدد بالفشل من جهة ولمواجهة كل التحديات الآتية من الخارج بموقف واحد، ولا سيما تلك التي تناولت حزب الله واعتبرته ميليشيا ارهابية بشقيه السياسي والعسكري والتي وضعت الدولة كلها في مواجهة معها في حال تجاهلت هذا الوضع الجديد؟
هناك أوساط سياسية لا تقلقها الشروط التي وضعتها القوى السياسية حتى قبل أن يُكلف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة واعتبرتها عادية تحدث عند تشكيل الحكومة ولا بد من ان تنتهي إلى تسوية ما على غرار ما كان يحصل عند تشكيل الحكومات السابقة، في حين أن أوساطاً أخرى تقر بوجود مشكلة حقيقية يواجهها الرئيس الحريري يصبح من الصعب عليه التغلب عليها وفرض حكومة الأمر الواقع، في ظل التوازنات الجديدة التي فرضتها الانتخابات النيابية وفي ظل حرص كل القوى المعنية على وجوب قيام حكومة وحدة وطنية لا بديل عنها لمواجهة التحديات الخارجية، وتداعيات التطورات الأخيرة على الداخل، ومنها على وجه الخصوص القرار الأميركي والعربي الخليجي بوضع حزب الله بجناحي العسكري والسياسي على لائحة الارهاب.
لكن مصادر دبلوماسية غربية حذرت رئيس الجمهورية من العاصفة التي تهب على لبنان بعد القرار الاميركي والخليجي ويتعين عليه أن يتعامل معه بواقعية من جهة وبجدية من جهة ثانية، بما يعني ان تشكيل الحكومة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع الجديد، الأمر الذي يضع لبنان، في حال قيام حكومة وحدة وطنية وفق المعايير السابقة، في مواجهة مع المجتمع الدولي ومع محيطه العربي.