قامت سيرة العقلاء على الأخذ بالظن المعتبر الذي يجانب في معظم الأحايين العلم أو ما هو متاخمٌ للعلم، وما زال الظن من هذه الناحية بأنَّ الشيعي الإصلاحي يحمل إرادةُ خيرٍ للطائفة والوطن، والسير قدماً نحو بناء المؤسسات والقانون الذي يحمينا ويحمي الجميع تحت سقف الدولة، لكي لا نبقى مكشوفي الرأس في عراء الطائفية البغيضة، لأنها أثبتت أنها لا تحمي وليست بديلة عن الدولة والقانون، بل تحمي محازبيها ومستفيديها وكل من له مآرب أخرى، وأجمل ما في المعارضة الشيعية وعلى الإختلاف القائم في وجهات النظر الذي لا يفسد في الودِّ قضية ـ كما يقولون ـ أنها غير مؤطرة ضمن هيكلية حزبية، كما هو حال الأحزاب والحركات، لكن أغلب مثقفيها ورموزها ومناصريها يجمعها هدفٌ مشتركٌ وهو الإعتراض على السائد المستفرد في السلطة، والنابع من الحرمان الذي يعانيه معظم الشعب اللبناني، وفي المقابل نرى بعض الجماعات وبعض الأفراد الذين يتقنون فن الصيد من أجل لقمةٍ وضيعة، ومن أمورٍ في معظمها هي أمورٌ عفنة وبغيضة، وهؤلاء موجودون في كل الحركات والأحزاب والمؤسسات والمجتمعات، وهذا ما يمكن أن نسميه (العلاَّكين) هم فئة تعلك، تستفيد، تستثمر، ينعقون مع كل ناعق، ومن ثمَّ تعلك وتعيد العلك، هم يظهرون في كل زمان ومكان، وفي كل مناسبةٍ ومن غير مناسبة، فلكلِّ زمانٍ علاَّكه، ولكلِّ مناسبةٍ معلوكها.
إقرأ أيضًا: لمن الغالبية في الدول العربية والإسلامية؟
نسمع بين فترةٍ وأخرى هجوماً من العلاّكين على هذه المعارضة هجوماً صبيانياً غوغائياً يسقط كلاماً هنا، وتفاهةً هناك، لكي يسمع الآخر الذي في أذنيه وقراً، حيث لا حجة لهم على ذلك الآخر غير "الطرطقة"، وما على المعارضة إلاَّ لملمة الوضع وعودة الأمور إلى طبيعتها لأن الذي يجمع أكثر بكثير مما هو يبعد ويفرق، وسنبقى مع صحوة الإصلاح تماشياً مع ما تعلمناه في كتب الدين والإنسان أن نكون للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، وما زلنا ندفع أثمان ذلك كلفةً كبيرة من بيئةٍ لا ترحم وأحزابٍ لا تمالح من يختلف معها، وتتعاطى معه على أنه نكرة وغير مُعرَّف بالألف واللام.
من هنا ومنذ فترةٍ بعيدة كتبنا تحت عنوان "المعارضة الشيعية هكذا عرفتها" وهذا ما حذرنا منه، ولن أدخل في تفاصيل أكثر لأنها مُرَّة، وما على المعارضة إلاَّ أن تعير إهتماماً بالمواقف التي تحتاج إلى إعادة نظر وتصويب فيما يتصل بداخلها ونقطع الطريق على هؤلاء "العلاّكين" الذين يدعمون السائد من حيث يحتسبون أو من حيث لا يحتسبون.