في إفطار بعبدا، أول من أمس، كان الرئيس ميشال عون واضحاً في عدم الحاجة إلى بدء النقاش الحكومي من الصفر، انطلاقاً من أن «معايير التأليف معروفة وليس علينا إلا الالتزام بها وتطبيقها». هذا يعني عدم الحاجة إلى نقاش مستجد في البيان الوزاري، ولا سيما الديباجة اللغوية المتعلقة بالمقاومة التي كانت معتمدة في حكومة سعد الحريري الثانية. من المعايير الثابتة على ما يبدو أيضاً هو توزيع الحقائب السيادية. لا يبدو أن تغييراً سيطرأ عليها، وهو ما سيؤدي تلقائياً إلى صد مطلب القوات بالحصول على إحداها.
عقدة القوات اللبنانية حقيقية. لم تترك لها صاحباً في الداخل. وفي ظل الهجوم المستمر لجبران باسيل على سمير جعجع والقوات، وكذلك العلاقة الحذرة مع تيار المستقبل، وعدم استعداد حزب الله، على رغم حرصه على تمثيل الجميع، على خوض معركة القوات في الحكومة، لم يبق لسمير جعجع سوى نبيه بري ووليد جنبلاط. لكن في جلسة انتخاب هيئة المكتب قطع القواتيون، بلا أي مبرر، حبل الود مع بري. أسقطوا الورقة البيضاء في صندوقة انتخاب رئيس المجلس، على رغم أنهم يدركون أن معركة القوات ليست معه، لا بل هو أكثر الذين كان بالإمكان التعويل على دعمه لهم في المعركة الحكومية. حصل ما حصل، وأضيف إليه «تسوية آخر الليل» التي أدت إلى إخراج القوات من هيئة مكتب المجلس، فلم يبق إلى جانب جعجع سوى وليد جنبلاط. لكن ماذا يمكن للأخير أن يقدم وهو الداخل في معركة كسر عظم على الحقائب الدرزية؟ وهل يمكن أن يستجيب بري مجدداً لنداء القوات بالتصدي لمحاولات عزلها، وهي النقطة التي ألمح إليها أكثر من نائب قواتي أمام رئيس المجلس؟
سمير جعجع، وخلافاً للبروتوكول، اضطر إلى مرافقة كتلته إلى قصر بعبدا ليتمكن من مقابلة رئيس الجمهورية، والتأكيد على الالتزام باتفاق معراب الذي يقضي بتقاسم المقاعد الوزارية بين الطرفين، بالتساوي. ذلك أمر صار من الماضي بالنسبة لجبران باسيل، ورئيس الجمهورية لا يبدو مستعداً للموافقة على الدخول في بازار الحقائب مع القوات، فإما ترضى بحصتها أو تخرج. للمناسبة الحديث عن عزل حزب القوات يكثر، وثمة رهان في معراب أن الدعم السعودي – الإماراتي سيكون كفيلاً بمنع انضمام المستقبل وجنبلاط إلى محاولات كهذه. لكن هل يكفي الضغط الخارجي ليتمكن سمير جعجع من الحصول على ما يريده أو على الأقل لفك الحصار عن حزبه؟
التيار الوطني الحر يعد نفسه بحصة وازنة في الحكومة. يتردد أنه يريد تسعة وزراء للتكتل، وثلاثة للعهد (بينهم عصام فارس نائباً لرئيس الحكومة). ذلك يبدو مستحيلاً. ففي الحكومة الثلاثينية، يعني هذا المطلب أنه لن يبقى سوى 3 حقائب مسيحية، على القوات والمردة والكتائب، وربما الحريري أن يتقاسموها!
الإشكالية الكبرى تتمثل في توزير رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال إرسلان. الحزب التقدمي الاشتراكي حسم قراره، بالاستحواذ على التمثيل الدرزي (ثلاثة مقاعد)، فيما اخترع التيار الوطني الحر كتلة لإرسلان مؤلفة من 4 نواب (إرسلان وسيزار أبي خليل، وفريد البستاني وماريو عون)، وتتلاءم مع معيار التمثيل الوزاري (وزير لكل كتلة مؤلفة من 4 نواب)، لكن في هذه الكتلة ثلاثة نواب موارنة، فهل سيتمثلون بدرزي، مقابل تمثيل كل الدروز الباقين (7) بوزيرين؟
يبدو سعد الحريري، الذي وضع بعيد تكليفه، أمس، خطوطاً عريضة لمهمات الحكومة المقبلة، وأبرزها متابعة موضوع النزوح السوري والإصلاحات، مطمئناً إلى حد كبير. هو أشار إلى أن نية الجميع تسهيل تشكيل الحكومة ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، إلا أنه على ما يبدو، فإن العقدة الأولى ستكون من عنده. في المعلومات، أن الحريري قال لأحد النواب الذين التقاهم في الساعات الأخيرة ما معناه أنه لن يقبل بتمثيل أي من المكونات السنية، غير المنضوية في كتلة المستقبل. تلك عقبة سيكون من الصعب تجاوزها من قبل الآخرين أو الإصرار عليها من قبل الحريري. الكتلة السنية البعيدة عن المستقبل تضم 10 نواب، مقابل 17 للمستقبل. هذا يعني أنه لا يمكنه الاستحواذ على التمثيل السني، وهو يملك أقل من ثلثي عدد نواب الطائفة. حتى الآن ثمة من يتوقع أن تقتصر حصته السنية على أربعة وزراء، على أن يؤول مقعد لكل من رئيس الجمهورية وسنة 8 آذار (إما عبد الرحيم مراد أو فيصل كرامي).
في المقابل، يدرك معارضو الحريري من النواب السنة أنه يصعب تجاهلهم، وهم أجروا محاولة أولى لتوحيد الموقف، عبر اجتماع عقدوه في منزل عبد الرحيم مراد، وضم إليه كلاً من: جهاد الصمد، أسامة سعد، قاسم هاشم، فيصل كرامي، الوليد سكرية وعدنان طرابلسي. لم يخرج هؤلاء بموقف موحد، لأن بعضهم مرتبط بموقف كتلته كهاشم وسكرية، فيما كان لافتاً أن طرابلسي الذي تأخر على اللقاء لأنه كان يدعو رئيس الحكومة إلى الإفطار الذي تقيمه جمعية المشاريع في البيال، قد اكتفى بالإشارة، رداً على سؤال من زملائه عن فحوى اللقاء، إلى أنه لم يتم التطرق إلى مسألة الاستشارات، قبل أن يتبين أنه صرّح بعد لقائه الحريري أنه سيسميه.
عملياً لم يكن طرابلسي وحيداً. عبد الرحيم مراد سمى الحريري أيضاً وكذلك فيصل كرامي والوليد سكرية (إنسجاماً مع موقف كتلة الوفاء). الكل سمى الحريري لرئاسة الحكومة، فيما لم يسر جهاد الصمد وأسامة سعد في ركب المؤيدين، فانسجما مع نفسيهما، الأول لأنه معارض لسياسة الحريري، والثاني لأن "الحريري لم يكلف نفسه عناء التواصل مع النواب، إذا كان مهتماً بأن يصوتوا له».
بغض النظر عن وجهة تصويت معارضي الحريري، والذين يضاف إليهم الرئيس نجيب ميقاتي، فإن الحريري سيدرك في الاستشارات النيابية التي يجريها الاثنين، أنه لا مفر من تمثيلهم في الوزارة، حتى لو رفض في البداية. لكن عندها قد يكون مستعداً للتعاون مع شخصيات من دون أخرى. وهو إذ يتردد أنه يفضّل، إذا اضطر، توزير فيصل كرامي على الآخرين، فإن ثمة من يؤكد أن الكتلة السنية المعارضة هي التي ستسمي مرشحها، وللمفارقة فإن الوحيدين ممن يملكون تمثيلاً سنياً كبيراً في مناطقهم، ولم يشاركا في أي حكومة قبلاً، هما أسامة سعد وجهاد الصمد اللذان لم يسميا الحريري.
وإذا كانت وزارة الداخلية شبه محسومة لتيار المستقبل، فإن الأسماء المطروحة غير واضحة، خصوصاً في ظل حديث عن وعد قطعه الحريري لمحمد الصفدي بتوزيره على رأس الداخلية. من الأمور المحسومة أيضاً لدى المستقبل هي ضم امرأة للكتلة الوزارية المستقبلية.
تبدو الأمور أوضح في ناحية حزب الله وحركة أمل. الأمر محسوم بحصولهما على المقاعد الشيعية الستة. وإذا كانت أمل قد اعتادت أن تتألف حصتها الوزارية من ثلاث حقائب، فإن حزب الله سيتمثل للمرة الأولى بثلاث حقائب أيضاً، كما سينهي مرحلة صومه عن الحقائب «المهمة». هو قرر المشاركة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. ولن يقبل إلا بالحصول على حقائب خدماتية، في حال كانت الوزارة السيادية من حصة أمل. حتى الآن تشير الترجيحات إلى ثبات وزارة المال من ضمن كتلة التنمية والتحرير، إلا أن الاسم المرشح لها موجود في جيبة رئيس المجلس فقط.