اكتمل المشهد: كتبت منظومة التفاهمات المدعومة اوروبيا واقليميا وحتى دولياً والفعل ما قبل الأخير، إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري بأصوات 111 نائبا (باستثناء نواب كتلة الوفاء للمقاومة) تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بصرف النظر عن عدسة جبران باسيل، «لحكم الاقوياء»او «تحالف الاقوياء» بعد سقوط معزوفة «تحالفات الاقليات».
رسم الرئيس المكلف الخطوط العريضة للحكومة الموسعة التي سيشكلها: اقتصاد، محاربة الفساد، النهوض والنأي بالنفس، والإلتزام بالقضايا العربية، كل ذلك بالتفاهم مع الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، حيث تطرقت الخلوة قبل افطار الأربعاء الرمضاني الرئاسي في بعبدا إطار التمثيل والاشراك، والحصص والتوزيعات..
ويبدأ الرئيس المكلف عند الثالثة من بعد ظهر اليوم زياراته التقليدية لرؤساء الحكومة السابقين، فيزور تباعا الرئيس سليم الحص، فالرئيس نجيب ميقاتي، ثم الرئيس فؤاد السنيورة والرئيس تمام سلام، استعداداً لبدء الاستشارات النيابية الخاصة بالتأليف في مجلس النواب الاثنين، وليوم واحد. 
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية بعد الانتهاء من هذه الزيارات.
وإذا كان حزب الله يطالب بتمثيله بثلاثة وزراء بدل اثنين، من دون المطالبة بحقائب بحد ذاتها، فإن التمثيل المسيحي في الحكومة، والذي طالب رئيس حزب «القوات اللبنانية» بأن يكون مماثلا للثنائي الشيعي، بحيث تتقاسم الثنائية المسيحية (التيار الوطني الحر والقوات)، يواجه صعوبات لجهة تمثيل «المردة» والكتائب والحزب القومي، فضلا عن عقدة التمثيل الدرزي.
ومع ان الرغبة جامحة لدى كل الأطراف للإسراع بالتأليف، فإن أوساطاً رئاسية مقربة من بعبدا تذكر بالاحجام، بعيدا عن العرقلة والتعطيل، لأن لا وقت للإضاعة، ولا بدّ من مواجهة التحديات الإقليمية والدولية بتجاوب الكتل وتجاوز مطبات التأليف والمطالب غير الواقعية.
ووفقا للمعلومات فإن مهلة زمنية وضعت لا تتجاوز حلول عيد الفطر السعيد، لتكون الحكومة قد تشكلت، وربما نالت الثقة.
كرجة مي
وعكست السرعة في إنجاز الاستشارات النيابية الملزمة، في يوم واحد، مع صدور مرسوم تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، رغبة رئاسية وصفت بأنها «قرار كبير» بتسريع عملية التأليف، بالنظر للتحديات الماثلة أمام المسؤولين، والتي شرحها الرئيس ميشال عون في كلمته في الإفطار الرئاسي في بعبدا أمس الأوّل، مثلما عكست توافقا بين الرؤساء الثلاثة قبل التكليف، كان فعل فعله في انتخابات رئاسة مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس.
الا انه ليس واضحا بعد، ما إذا كان هذا التوافق سيشكل الدواء لتأليف حكومة الوحدة الوطنية الموسعة، التي تحدث عنها الرئيس نبيه برّي من قصر بعبدا، بعد تبلغه نتيجة الاستشارات من الرئيس عون، في حضور الرئيس الحريري، وإعلانه عن التوافق على اجراء المشاورات النيابية في المجلس النيابي ابتداء من صباح الاثنين المقبل، على أمل ان تنتهي في اليوم نفسه وتبدأ عملية التأليف.
لكن الانطباع الذي تكون لدى دوائر قصر بعبدا، ان مهمة الرئيس المكلف ستكون مدعومة من الرئيسين عون وبري، بما يؤمل منه ان تكون عملية التأليف سريعة، وربما قبل عيد الفطر السعيد لتكون عيدية العهد للبنانيين.
وتوقعت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» ان يسير ملف تشكيل الحكومة مثل «كرجة مي» إذا بقيت الأجواء الإيجابية مسيطرة، ولفتت إلى ان شكل الحكومة بدا مبتوتا به أي حكومة موسعة، وان الرئيس المكلف راغب في ان تضم معظم القوى السياسية، لكن الأمر منوط بكيفية التعاون معه لتسهيل التأليف وعدم وضع شروط معينة تقيد حركته.
وأعربت المصادر نفسها عن اعتقادها ان تمثيل الجميع في الحكومة لتكون حكومة وحدة وطنية يعني ان المطالب لن تكون سهلة ولا بدّ من التعامل معها بدقة كي لا تقوم أي عراقيل.
الحريري مكلفاً
ولم يشأ الرئيس المكلف في بيان قبول التكليف من قصر بعبدا ان يدخل في التوقعات في شأن عملية التأليف، وإن كان رأى هناك جدية ونية من قبل الجميع لتسهيل تشكيل الحكومة، لافتا إلى «ان كل ما نواجهه من تحديات اقتصاديا واقليميا يدفعنا إلى التركيز على تخطيها»، معتبرا ان ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا».
وأعلن الحريري انه «في هذه اللحظة يمد يده إلى جميع المكونات السياسية في البلد، للعمل سوية على تحقيق ما يتطلع إليه كل اللبنانيين، من دولة سيّدة حرة مستقلة، وخدمات أساسية تضمن العيش الكريم واصلاحات تحد من الفساد وتطلق عجلة الاقتصاد ولايجاد فرص العمل».
وقال انه «لن يوفّر جهدا في العمل على تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، ومواصلة العمل لحماية استقرار لبنان وامان اللبنانيين، ضمن ثوابت احترام اتفاق الطائف والدستور والنظام الديمقراطي»، لافتا إلى ان الحكومة الجديدة مدعوة لمواصلة تثبيت الاستقرار السياسي وتعزيز مؤسسات الدولة والنهوض بالاقتصاد، وسيكون امام الحكومة ايضا ان تتابع الجهود المبذولة لمواجهة أزمة النزوح السوري وان تحقق سلسلة من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية التي التزمنا بها امام اللبنانيين أولاً، وامام المستثمرين الذين نعول على استعادة ثقتهم واستثماراتهم في مسيرة النهوض بالاقتصاد اللبناني».
ورداً على سؤال، نفى الحريري وجود «فيتو» على دخول أي مكون للحكومة، مشيرا إلى انه لم يسمع عن هذا الأمر الا في الإعلام، موضحا ان ما قصده الرئيس برّي بالحكومة الموسعة، هو التوافق على غرار ما كانت عليه الحكومة التي رأسها، أي ثلاثينية، لكنه زاد بأنه سيجري مشاورات الاثنين للوقوف على رأي النواب وآمالهم، وبعدها سيعقد مؤتمراً صحفياً يتناول فيه حصيلة مشاوراته.
وفهم من أوساط الرئيس المكلف، انه تجري حالياً جدولة المواعيد للنواب والكتل الذين تشملهم المشاورات، وان تأخيرها من السبت إلى الاثنين المقبل، هو بسبب كون يوم السبت عطلة، الا ان هذا الأمر لن ينسحب على الجولة التقليدية على رؤساء والحكومات السابقين التي تقرر ان ينجزها الحريري اليوم الجمعة، رغم كونه يوم عطلة رسمية (عيد المقاومة والتحرير).
واستقبل الرئيس الحريري الذي زار ضريح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل عودته إلى «بيت الوسط» مساء أمس وفوداً وشخصيات وفعاليات هنأته بتكليفه تشكيل الحكومة، في حضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وتحدث امامهم، شاكراً لهم عاطفتهم، آملاً أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة في وقت قريب كي نتمكن من متابعة تنفيذ المشاريع التي وضعتها الحكومة السابقة والنهوض بالوضع الإقتصادي، لافتاً إلى انه لا يرى عقبات كبيرة أمام تشكيلها.
مفاجأتان
وإذا كانت نتائج الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس عون أمس، على مرحلتين ليوم واحد، لم تخالف التوقعات بالنسبة لإعادة تكليف الرئيس الحريري بعد ان نال 111 صوتا أي بناقص صوت واحد عن استشارات تكليفه في المرة السابقة، أي في كانون الأوّل من العام 2016، فإن شروط الاستشارات الماراتوني والذي تخلله فترة استراحة لمدة ساعتين، حمل مفاجآت بعضها لم يكن متوقعا، مثل زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع كتلة نواب «الجمهورية القوية»، خارقا بروتوكول الاستشارات لجهة حصرها بالنواب فقط، لكن المعلومات تُشير إلى ان لقاء عقد بين عون وجعجع سبق اللقاء مع الكتلة.
وعزت مصادر قواتية هذا الاجتماع لضرورات المرحلة وهو ما دفع بجعجع إلى تجاوز «الدواعي الامنية»، خاصة وانه كان غاب عن الإفطار الرئاسي أمس الأوّل، وفهم من طبيعة تصريح جعجع بعد اللقاء، ان المواضيع التي اثيرت تناولت المحاولات التي تشكو منها «القوات» لفرض نوع من الحصار عليها، نتيجة ما حصل من استبعادها عن هيئة مكتب المجلس للمرة الأولى من العام 2005، وهو كان تمنى ان يتم التعاطي مع الثنائي المسيحي حكوميا كما يتم التعاطي مع الثنائي الشيعي، أي بحصص متساوية، وان يُصار إلى أخذ نتائج الانتخابات بالاعتبار.
وبحسب معلومات «اللواء» فإن اللقاء بين عون وجعجع تجاوز مسألة شكوى «القوات» من استبعادها عن هيئة مكتب المجلس، إلى طرح تصور لكيفية صورة الحكومة العتيدة والتي يجب ان تحدث صدمة إيجابية عند الناس كما يجب ان ترتكز على أسس متينة، وافكار عملية، والاهم في كل شيء الشراكة الفعلية لكل المكونات السياسية وعدم استبعاد أي فريق (في الاشارة إلى القوات)، بل شراكة حقيقية أفرزتها الانتخابات النيابية.
وأوضحت المصادر ان الرئيس عون كان متفهماً، وان الأجواء كانت إيجابية، واعداً جعجع «بأننا سنكمل سوا».
اما المفاجأة الثانية فكانت في إعلان كتلة حزب الكتائب تسميتها للرئيس الحريري، في ما وصفه النائب سامي الجميل اعطائه «فرصة ثانية»، كاشفا عن لقاء حصل بينهما أمس الأوّل، تبين له خلاله ان لدى الحريري نية للذهاب نحو «الاتجاه الصحيح وتنفيذ التعهدات الإصلاحية التي تقدمت بها الدولة اللبنانية» في المؤتمرات الدولية، واعدا بأن يكون ايجابيا في المرحلة المقبلة، لكنه سيكون بالمرصاد لأي خطأ أو أي تعد يُمكن ان يحصل على البلد.
والتقط المصورون، على هامش هاتين المفاجأتين صورة مصافحة بين الرئيس الحريري والرئيس نجيب ميقاتي، يُمكن ان تؤسس لفتح علاقة جديدة بينهما، بعد تسمية ميقاتي للحريري، فيما سجلت مغادرة الوزير نهاد المشنوق قصر بعبدا عند انتهاء الاستشارات مع كتلة «المستقبل»، ولم ينضم إلى زملائه مع الكتلة عند ادلاء النائب السيدة بهية الحريري بموقف الكتلة، متمنية ان تكون للمرأة اللبنانية حصة في الحكومة المقبلة.
ولوحظ ايضا ان النائبين العميد شامل روكز وزياد أسود لم يكونا من ضمن صورة كتلة «لبنان القوي» في مشهد التصريح للاعلاميين، ولوحظ ايضا ان الكتلة وزّعت نوابها على كتل مستنسخة منها، وبينها كتلة «نواب الارمن» وكتلة «ضمانة الجبل» التي ضمّت النائب طلال أرسلان وثلاثة نواب مسيحيين، وحركة الاستقلال النائب ميشال معوض، من دون ان تتبين غايات هذا الاستنساخ سوى لأهداف حكومية.
وفي المحصلة، صبت الكتل النيابية اصواتها لمصلحة الحريري، وكذلك فعل بعض النواب المستقلين مثل فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي، في حين اودع نواب كتلة الحزب «القومي» والنائب عبد الرحيم مراد الاسم الذي يريدونه لدى الرئيس عون من دون ان يصرحوا عنه، لكن تبين لاحقا انه الرئيس الحريري.
وبهذا يكون 17 نائبا فقط لم يسموا الحريري صراحة، وهم نواب كتلة «الوفاء للمقاومة» (13 نائباً)، والنائب جهاد الصمد الذي غرد خارج سرب «التكتل الوطني» الذي يجمع تحالف طرابلس وزغرتا وكسروان- جبيل، مع النائب اسامة سعد واللواء جميل السيّد والزميلة بولا يعقوبيان.
عيد المقاومة والتحرير
على صعيد آخر، وعشية عيد المقاومة والتحرير، المتوقع ان تتخلله اطلالة لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يتوقع ان يتطرق فيها الى الملف الحكومي والوضع الاقليمي في ضوء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، اصدر اللواء الركن حاتم ملاك قائد الجيش بالانابة «امر اليوم» للمناسبة، اكد فيه «ان الزمن الذي كان فيه الجنوب ساحة مفتوحة للعدوان الإسرائيلي قد ولّى، وأصبح واحة أمان واستقرار بفضل إرادة أبنائه وجهوزية جيشه للدفاع عنه»، معاهداً اللبنانيين اننا لن نستكين حتى تحرير آخر شبر من ترابنا الوطني، وأن نحافظ على وطننا، أرضاً وشعباً ومؤسسات». وللمناسبة ذاتها، اكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم «ان مكافحة الإرهاب بوجه الاسرائيلي سيظل اولوية لدينا»، داعياً العسكريين الى «اليقظة والمثابرة لنبقى الدرع المنيع في وجه الأخطار المحدقة بلبنان وصدّ اي إعتداء على سيادتنا الوطنية حفاظاً على إنجاز هذا التحرير».