ثمانية عشرة عاما مرت على الإندحار الإسرائيلي من لبنان، يوم فرض لبنان بجيشه ومقاومته على العدو الإسرائيلي الإنسحاب الكامل دون قيد أو شرط، بعد إحتلال دام لسنوات طويلة سرعان ما تكسّرت جبروته بسواعد اللبنانيين جميعا بمختلف أطيافهم وألوانهم، فما من شك أن لكل لبنانيّ حرّ مساهمة فعالة في إنجاز هذا التحرير، وإن كان العمل المقاوم يومذاك مقتصرا على عدد من المجاهدين من الجيش والمقاومة إلا أن الموقف الشعبي الحاضن كان من أبرز عوامل هذا الإنتصار.
في هذا اليوم سُجّل انسحاب آخر جندي صهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة ليعلن لبنان بعد ذلك هذا اليوم عيدا للمقاومة والتحرير ليكون مناسبة سنوية لاستذكار صمود اللبنانيين وتضحياتهم وعطاءاتهم، ولاستذكار تعب المقاومين والجرحى ولتخليد ذكرى أولئك الشهداء من مدنيين وعسكريين ومقاومين الذين كانوا أحد أهم عوامل هذا الإنتصار الكبير ورمزيته.
إقرأ أيضًا: وجه لبنان المشرّف ليس بالصواريخ وثقافة الموت!!
إن الإحتفال بهذه الذكرى في كل عام ينبغي أن يكون مناسبة لتكريس الدروس والعبر التي خرجت مع هذا الإنتصار ومن أهمها: وحدة اللبنانيين وإصرارهم على التحدي والتضحية من أجل تحرير الأرض وإنهاء الإحتلال، والمحافظة على هذا الإنتصار كركيزة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية لما سجله من حدث تاريخي تجاوز حدود لبنان والمنطقة.
بعد مرور ثمانية عشرة عامًا على هذا الإنتصار ما زال لبنان رهينة الذكرى إذ لم يتحول هذا الإنتصار التاريخي بعد إلى بُعده الإجتماعي والحضاري والوطني فيتحرّر معه الإنسان اللبناني من طائفيته وحرمانه وأزماته المتراكمة بل والمتزايدة يوما بعد يوم.
التحرير بمعناه الآخر هو تحرير الوطن داخليًا من أزماته الطائفية، من العبث السياسي، من المحاصصة، من الفساد بكل أشكاله وخصوصا الفساد المالي والإداري.
التحرير بمعناه الحقيقي هو الذي يهدف إلى تطوير الإنسان بجوهره وحضوره ليكون إنسانًا متكاملًأ على مستوى آمال الوطن وتطلعاته من جهة، ومن جهة ثانية تحرير هذا الإنسان من كل أشكال الظلم الإجتماعي بكل ما يتضمنه من الحرمان والبطالة والتردي المعيشي وغير ذلك.
إقرأ أيضًا: صوت واحد في بعلبك: من يحاسب رئيس البلدية؟
تحرير الإنسان من بؤسه ومن معاناته في وطنه وأرضه بتأمين مستلزمات العيش الكريم، لا أن يكون هذا الإنسان مجرد حاجة موسمية أو في سياق مشروع أو مجرد سلعة تُستخدم عند الحاجة.
في ذكرى التحرير ونحن على أعتاب مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، فإن الرهان اليوم هو تحرير لبنان من الفساد والحرمان والبطالة، وإن طموح اللبنانيين وآمالهم اليوم هي الإلتزام بخطابات الحملات الإنتخابية ووعودها بمحاربة الفساد المالي والإداري ومعالجة الإقتصاد المتردي، والعمل الحقيقي باتجاه الإنماء ومعالجة القضايا والملفات والأزمات العالقة والتعامل مع الإنسان اللبناني كمواطن له حقوقه في العيش الكريم دون منة من أحد.
التحرير الحقيقي هو بحماية المواطن اللبناني ليكون قادرا على العيش بكرامة وسط هذا الكم الهائل من الفساد على كل المستويات، ووسط هذا الإنهيار الإقتصادي الكبير الذي تسببه السلطة بأدواتها السياسية والإقتصادية.
التحرير من منظور آخر هو حماية إقتصاد لبنان من السرقة والفساد وحماية الدولة من الإنهيار والضياع وحماية المؤسسات من المحسوبيات والمحاصصة.
هذا هو التحرير الحقيقي بل هذا هو الإنتصار الحقيقي ذلك أن بناء المجتمع وتطويره وتطهيره هو أهم إنجاز يمكن أن نقدمه للشعب اللبناني.