كشف إستحقاق إنتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي ، وقبله حصوله على كتلة نيابية وازنة إضافة لفوز حلفائه في مختلف المناطق اللبنانية ، عمق الأزمة السياسية التي حلّت برئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل .
فالرجل الذي خاض معارك كلامية وسياسية قاسية مع الرئيس بري على مدى أعوام ، عاد وَسَلّم بمرجعية الرجل كقامة وطنية من فئة الرؤساء الأقوياء ، وترك الخيار لتكتل " لبنان القوي " لأنّ يصوّتوا لصالح بري أو يضعوا ورقة بيضاء، حيث حاز بري بحسب المعطيات المتوافرة على ١٩ صوتاً من أصل ٢٩ صوت هم عدد أعضاء التكتل .
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أمرين ، أوّلهما أن باسيل حزين وغير مقتنع بما يحصل حالياً من تقارب مع بري ، ويفعل ما يفعل بسبب ضيق هوامش حراكه السياسي بعد النتائج التي أفرزتها الإنتخابات والتي من أبرزها صعود نجم " القوات اللبنانية " كرقم مسيحي ووطني لا يمكن تجاوزه إلا بتحالف سياسي طويل وعريض.
وثانيهما ، أن أزمة بري - باسيل ليست مرتبطة فقط بالإنتخابات النيابية وشدّ العصب الإنتخابي كما يحلو للبعض أن يقيّمها ، بل هي نتاج نظرة مختلفة لدى الرجلين لكيفية إدارة الدولة ومستقبل النظام السياسي في لبنان .
فبري يُشكِّل حجرة عثرة أمام طموحات باسيل ، والأخير حاول التضييق سياسياً على الأول وعزله وكسر هيبته على الصعيد الوطني بل والعربي أيضاً.
إقرأ أيضا : بري على طاولة غداء عون ... هل سيُصوّت تكتل لبنان القوي للأستاذ ؟
وما يحصل اليوم من جانب الطرفين ما هو إلا ضحك على اللحى لتمرير الإستحقاقات بأقل خسائر ممكنة وبصيغة تُرضي الطرفين ، وإن كانت يد بري بعد الإنتخابات هي العليا وهذا ما تنبّه له رئيس الجمهورية ميشال عون فضغط على باسيل والتيار لتهدئة الوضع ، وإلاّ فإن بري سيُعرقل مسيرة العهد وهو قادر على ذلك.
مأزق باسيل الحقيقي فيما يجري أنه تراجع أمام بري بشكل واضح ، بل إن كل خطابه السياسي التصعيدي إختفى ، ما أفقده مصداقيته أمام جمهوره وأنصاره بالدرجة الأولى .
فخطابه الطائفي والمناطقي التحريضي لم يُؤتِ أُكله وجعله يبدو بمظهر الرجل السياسي العنصري المرفوض من كافة اللبنانيين .
بالمقابل ، حافظ بري على رصانته السياسية ولم ينجرّ إلى الخطاب الطائفي وبقي يُنادي بضرورة اللقاء والحوار ، وأرغم باسيل على أن يطلب من كتلته التصويت لصالحه أو بورقة بيضاء.
فكيف مثلاً يُخيّر باسيل أعضاء كتلته بالتصويت لرجل كان يتهمه بالفساد وعظائم الأمور بحسبه؟
هذا التناقض ، بل هذه السقطة في تبني خطاب مزدوج أزّم من وضع باسيل ، وسيجعله في القادم من الأيام يُقدم ربما على المزيد من التنازلات لصالح بري.