وضعت حكومة "استعادة الثقة" في آخر ساعاتها حداً للملف الشائك الذي بقي عرضةً للتجاذب السياسي طوال فترة 18 شهراً، ومررت ملف الكهرباء ببنوده المؤجلة من الجلسات الماضية، على أساس تسوية سياسية قضت بالعودة إلى إدارة المناقصات وفق دفتر الشروط القديم، مع إدخال ملاحظات جديدة، منها تمديد مهل تقديم العروض ومهل تسليم الطاقة، وفتح الخيارات البرية والبحرية والاستجرار والتكنولوجيا وانواع المحروقات.
وكان لافتاً بعد الجلسة تسابق القوى السياسية التي كانت رأس حربة في ملف الكهرباء خلال المرحلة السابقة إلى تبني انتصارات وهمية لم تسمن ولم تغني اللبناني من عتمة التقنين. فغرّد كل منهم على ليلاه، فاتحين بذلك باب السجالات على مصراعيه.
افتتح المباراة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل قائلاً: "غطت الانتخابات وطارت المزايدات، ومثلما قلنا لكم رجعوا مشوا بالبواخر ودير عمار، والغاز بعد الانتخابات"، مضيفا "مجلس الوزراء أقرّ في آخر جلستين ما كنا نطالب به من الأوّل بملف الكهرباء، لأن هذا هو الحل.. ضيعان ما حكيوا".
ما استدعى ردا من وزير الصحة غسان حاصباني، فقال: ان "موقف القوات ثابت قبل الانتخابات، وبعدها من إعادة مناقصة الكهرباء المؤقتة إلى دائرة المناقصات، وقد تحقق اليوم، كما تمّ توزيع دفتر الشروط لإتاحة المجال لحلول متعددة وعدم حصر الحل بالبواخر، وتم اتخاذ القرار ببدء العمل جدياً بالحلول الدائمة، كما طالبنا".
ودخل إلى الحلبة وزير المال علي حسن خليل، فغرد بدوره، "مرة أخرى، وكما كنا منذ البداية في معمل دير عمار، نرفض تحميل الدولة الملايين مرتين على T.V.A, وهذا ما حصل اليوم وانتصر منطقنا، وان بعد خسارة هذا الوقت".
واندلعت عقب هذه التغريدات الثلاث حرب التصاريح بين القوى الثلاثة (القوات، الوطني الحر، وأمل)، ولم تهدأ حتى الساعة. ووضعت مصادر حكومية هذا السجال في إطار البازار الحكومي، تحديداً على وزارة الطاقة. وأكدت لـ"ليبانون ديبايت" أن ما يحصل من القوى الأساسية اللاعبة في ملف الكهرباء محاولة لاستثمار إنجاز ملف الكهرباء بعد سنة ونصف من المماطلة في تأليف الحكومة المقبلة.
وفي هذا الإطار، أكد نائب القوات اللبنانية ماجد إدي أبي اللمع لـ"ليبانون ديبايت" أن ما حصل في ملف الكهرباء من إصلاحات قبل الإقرار جاء في السياق نفسه الذي كان وزراء القوات يدفعون باتجاهه طوال فترة البحث في هذا الملف.
وقوام هذا السياق ثلاث مسائل أساسية كانت مطالب رئيسية للقوات "أولها العودة إلى إدارة المناقصات وعدم التلزيم المباشر، ثانيها فتح دفتر الشروط أمام حلول عدة، بدل حصرها بخيار البواخر، مثل البر والغاز، وثالثها يتمثّل بالحلول الدائمة والموجودة ومنها دير عمار".
وعن تبني الإنجاز من قوى أخرى، يقول أبي اللمع "ما حصل في ملف الكهرباء من تصويب كان نتيجة وقفة وزرائنا لتغيير المسار الذي كانت تسلكه الأمور، ومن تبقى وافقوا أخيراً على هذا التصويب ومن الجيد أن يعترفوا بأخطائهم ولا يتبنوا انتصارات وهمية، لأن لا نصر في هذا الملف بل تصويب للأمور كما يجب أن تكون وفقاً للمصلحة العامة".
في المقابل، يرى نائب التيار الوطني الحر حكمت ديب أن المُنجِز الرئيسي في هذا الملف هو من وضع الخطط في الأساس، ومن يتسلّم وزارة الطاقة. ولفت في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" أنه يجب إدخال مبدأ استكمال المشروع أو الخطة أو البرنامج من قبل واضعيها في الوزارات المعنية، أو الفريق الواضع الخطة أو البرنامج "توخّياً لنسف ما تم التوصل إليه من قبل وزير جديد على القطاع، يبدأ من الصفر، وللحصول على النتائج المرجوة، وكسب الوقت وتعويض ما فات من عرقلات".
على الجهة الأخرى، يرى المحلل السياسي سالم زهران أن هذا الملف تفوح منه رائحتي السياسة والفساد المالي مهما جربوا تعطيره، والدليل التراجع عن الأسعار في قضية البواخر. ويؤكد لـ"ليبانون ديبايت" أنه إلى جانب موقف وزير المالية في مسألة دير عمار لسبب بسيط أنه "سيتم أخذ حوالي 50 مليون دولار من الشركات الأجنبية لصالح الدولة اللبنانية، باعتبار أن عائدات TVA تعود للدولة، وبناء معامل على البر أكثر جدوى من مسألة بواخر عائمة على شاطئ البحر".
وتأسّف زهران على الصراع القائم على الملف لأنه "حتى النقاشات ذات الطابع التقني التي يفترض ألا تشوبها الخلافات تأخذ في هذا البلد طابعاً سياسياً، إذ "بعد انجاز أي ملف يخرج كل الافرقاء المختلفين ليحتفلوا على طريقتهم".
أقفلت الحكومة الباب على ملف الكهرباء المقيت، وفتحته أمام سجال اللاعبين الاساسيين في هذا الملف، والنتيجة واحدة لا كهرباء 24 على 24 ساعة هذا الصيف. حتى أن التفاوض مع الشركة التركية مالكة الباخرة والتمكن من تخفيض السعر والحصول مجاناً على 200 ميغاوات إضافية مجانا لفصل الصيف، سيعطي في أحسن الأحوال "ساعتين من الكهرباء بشكل إضافي لتغطية الطلب المتزايد خلال فصل الصيف" وفقاً لوزير الطاقة. فعن أي نصرٍ يتحدثون؟