٢٦ عاماً تغيّرت فيها أشياء كثيرة في لبنان والعالم ، سقطت أنظمة وشُنّت حروب وحصلت ثورة تكنولوجية على أكثر من صعيد ، وبقي ثابت وحيد في وسط هذه المتغيرات ، هو نبيه بري.
في منطقة تُعرف بالتقلبات ، إستطاع الرئيس نبيه بري التكيّف مع كل المتغيّرات وجيّر كل الإستحقاقات والمحطات السياسية لصالحه ، وإن كان الشرق شهد ثباتاً على مستوى الزعامات ، فإنّ معظم هذه الزعامات جاء وقت وإنتهى دورها ، فكانت في صراع مستمر مع الزمن ، وأنهت زعامتها إمّا بالفشل أو الموت إغتيالاً أو إقتلاعاً لأنظمتها.
هذه القاعدة لم تسرِ على زعامة بري ، فالرجل كلما تقدّم الوقت تثبت زعامته أكثر وتقوى ،وكما يُقال بالعامية " بجوهر " ، فيصبح حاجة للبنان أكثر .
فليس تفصيلاً أن بعد ٢٦ عاماً، وفي ظل صعود أجيال وقوى سياسية جديدة تحمل أفكار تغييرية، أن يدخل الرجل اليوم إلى البرلمان لإنتخابه دون وجود أي منافس.
لَيْس تفصيلاً أن الرجل بعد أكثر من ربع عقد ، يرأس أكبر الكتل النيابية في لبنان ، هذه إستثنائية يجب دراستها بدقّة ، لأنّها مخالفة لأبسط قواعد الطبيعة ، ومع هذا كسرها بري ولم تكسره .
الرجل ، ورغم ما يطاله من إنتقادات ، وسواء كنّا نخالفه الرأي في بعض المواقف ونوافقه في أخرى ، هو إستثناء بكل ما للكلمة من معنى .
فحتى من لن يصوّت له داخل المجلس ، يحرص على عدم زعل الأستاذ ويؤكّد أنه حاجة وطنية وعلاقته معه إستراتيجية .
إقرأ أيضا : بانوراما لبنان الجديد : بري رئيسا للمجلس من جديد في إنتخابات اليوم
مسيرة نبيه بري السياسية بحدّ ذاتها لغزاً صعب الفكّ ، فقدرته على مجاراة المتغيرات بهذه السهولة وأن يبقى متربّعاً على كرسي مجلس النواب ، أمر بحاجة إلى الذكاء والحنكة والبراغماتية قلّ نظيرها في أي شخصية أخرى .
اليوم ، مؤيّدوه سينتخبوه رئيساً ، ومعارضوه يحرصون على عدم القطيعة معه ، وهو يتفهّمهم.
ربما يكمن السرّ في قابليته الكبيرة لتفهّم خصومه ومحبيّه ، وربما تكمن القضية في قدرته على إلتقاط اللحظة السياسية المناسبة وإستغلالها لصالحه ، وفي كلا الحالتين الأمر يتطلب جهداً عالياً من الذكاء والعبقرية ، لا تتوفّر إلاّ فيه .
مع هذا ، نأمل أن يكون المجلس النيابي الجديد في عهده هذه المرة أكثر إنتاجية ، وسنضوّي كإعلام على كل إنجاز يحصل ولكن سننتقد أي تقصير أيضاً.
فالرئيس على دراية اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن اللبنانيين يثقون به لكن يريدون نتائج أكثر فعالية على الأرض ، وهو يستطيع تحقيق ذلك في حال تبنّى التغيير شعاراً لمسيرته في ولايته السادسة.
ولا يسعنا إلا القول له : " مبروك أبو مصطفى فالرياسة مضامين الرجال ".