زيارة تاريخية للبطريرك الراعي إلى عمّان إحتفالاً بتدشين ترميم إحدى أقدم كنائس الشرق
 
 
 
 
ندى نجا مولوي إبنة طرابلس العائدة من الولايات المتحدة الأميركية بعد سنوات عاشتها في الدراسة والعمل والتعاون مع منظمات إنسانية وهيئاتٍ إغاثية وصحية ، تواصل نشاطها الحقوقي والإنساني وتتقدّم نحو مبادرة مميزة في إطار مدّ الجسور في العلاقات الإسلامية المسيحية في العالم العربي.
وفي خطوةٍ نادرة ومميزة ، كانت ندى مولوي بمثابة مبعوث من الدولة الأردنية إلى البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي لتنقل إليه دعوة أولية لزيارة الأردن والإطلاع على إنجاز مشروع ترميم إحدى أقدم الكنائس في الشرق ، ولقاء المسيحيين في هذا البلد الذي يحتضن الكثير من الآثار والمواقع التاريخية المسيحية الهامة.
فما هي قصة الزيارة المرتقبة للبطريرك الراعي للأردن ، وما هي أهميتها وأبعادُها؟
 
للقصة بداية...
 
بتاريخ 14 و15 آذار الماضي توجهت السيدة ندى مولوي إلى الأردن للمشاركة في "المؤتمر الدولي الثالث – اللاجئون في الشرق الأوسط – المجتمع الدولي ، الفرص والتحديات" برعاية وحضور صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ، حيث شاركت في أعمال المؤتمر ولجانه وقامت بزيارة مخيم الزعتري للاجئين السوريين ، حيث إطلعت على الأوضاع الإنسانية الناجمة عن عمليات التهجير التي يتعرّض لها الشعب السوري..
 
يقع مخيم الزعتري في نطاق بلدية أم الجمال ، الضاربة في عمق التاريخ عراقةً ورسوخاً في معادلات الماضي والمستمرة أصالةً ونخوةً وإنفتاحاً.
وهناك إلتقت السيدة مولوي  مع السيد وائل السناسلة والدكتور لطفي المساعيد ورئيس بلدية أم الجمال حسن الرحيبة الذي عرّفها بتاريخ البلدة وحاضرها ، مقدّماً نبذةً تاريخية عنها وهي المدينة الأثرية الواقعة على مقربة من الحدود السورية الأردنية ويرجع تاريخها إلى العصر النبطي الروماني البيزنطي ، ويعتقد أن الأمويين سكنوا هذه المدينة لفترة طويلة ويبدو أن هذه المدينة تعرضت لزلزال قبل أن ينتقل مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد إبان الخلافة العباسية ما أدى إلى هجرها تدريجيا.
ويوجد في أم الجمال بقايا حصون حضنت في داخلها كنائس عديدة بين كبيرة وصغيرة وآثار للكنائس البيزنطية ، ومنها كاتدرائية يعود بناؤها للعام 557 ميلادية وقد تم ترميمها ، ووجد في أم الجمال أيضا فسيفساء قديمة تمثل نهر الأردن وعلى جانبيه المدن والقرى التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس.
 
إنطلاق المبادرة..
 
وبعد إطلاع السيدة مولوي على تأهيل الكاتدرائية ، حصل نقاش حول أهمية هذا الموقع والسبيل الأفضل لجعله محطة تواصل بين الماضي والحاضر ، فكانت فكرة زيارة البطريرك الراعي وهنا باشرت دورها المكوكي بين بيروت وعمّان ، فحملت مولوي فكرة الزيارة إلى غبطة البطريرك الراعي الذي رحب بالفكرة وأعطى الموافقة فجاءت الدعوة الرسمية من رئاسة الوزراء الأردنية وتمّ تقرير الزيارة ، وبدأت التحضيرات العملية لحدثٍ بدأ برحلةٍ إنسانية وسيكمل كحدثٍ إنساني حضاري مدوٍ ، كان فيه لرئيس بلدية أم الجمال حسن الرحيبة الدور الإيجابي في التنسيق وتفعيل المبادرة بأبعادها العملية.
 
إلتقت السيدة مولوي غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وعقدت معه جلسة عمل مغلقة في مكتبه ، تمحور الحديث خلالها حول تفعيل مبادرات تطوير العلاقات الإسلامية المسيحية في لبنان والعالم العربي ، وكيفية تمتين الصلات بين المسلمين والمسيحيين وإشاعة التعاون فيما بينهم على الصعد الإجتماعية والإنسانية والتنموية والثقافية.
وأكدت مولوي خلال اللقاء أهمية موقع لبنان في معادلة تلاقي الحضارات وتعاون أتباع الأديان ، خاصة أنه يتشارك مع محيطه بتاريخٍ وحاضرٍ يؤهله لكي يكون مركزاً للحوار والتعاون الحضاري.
وأعلنت مولوي أنها وضعت غبطة البطريرك الراعي في أجواء زياراتها إلى الأردن وإلى الفعاليات الرسمية والدينية المسيحية والإسلامية ، ناقلة كامل الترحيب بزيارته إلى عمّان للإحتفال بإنتهاء أعمال الترميم في كاتدرائية أم الجمال ، ناقلةً عن غبطته إنفتاحه التام ومحبته للأردن ملكاً وحكومةً وشعباً ، وقبوله تلبية الدعوة.  
 
أهداف وتطلعات حضارية وإنسانية
 
أرادت السيدة ندى مولوي من خلال هذا التحرك أن تـُسهم في مبادرةٍ تحمل أبعاداً متكاملة ، فهي ذات بُعدٍ حضاري كونها تأتي لتتصل بين عالم التراث العريق وبين واقع المنطقة المترابط والمشترك ، خاصة بين لبنان والأردن ، والإسهام في تغليب لغة التواصل والتعاون ، في ظل الرياح التي تجتاح عالم العرب وتشوّه صورتهم وتدمر حواضرهم.. في وقتٍ لا تخفى فيه جهود الأردن ملكاً وحكومةً وشعباً لتخطي العقبات والتحديات التي فرضتها وتفرضها تطورات المحيط العربي المأزوم.
 
في الجانب الأردني ، كشف رئيس بلدية أم الجمال الجديدة حسن الرحيبة أن غبطة بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيرأس قداس في كاتدرائية ام الجمال في المدينة الاثرية في شهر حزيران القادم.
واضاف الرحيبة أن غبطة البطريرك سيرافقه وفد كبير وإعلامي من أجل زيارة منطقة ام الجمال السياحية في جولة هي الأولى من نوعها ، وهذا من شانه أن يعطي المزيد من الاهمية للموقع الاثري والذي سيدرج ضمن مواقع التراث اسياحي العالمي في اليونسكو. 
 
واشار الرحيبة الى ان البلدية وضعت كافة الاستعدادات والترتيبات اللازمة للقيام بهذه المهمة وبما يليق بهذه الزيارة الهامة والتي ستحقق الكثير من الإيجابيات في مجال السياحة الدينية وترويج المنطقة سياحيا واثريا ، منوها ان البلدية بدأت استعداداتها بالتنسيق مع الجهات المعنية منها وزارات السياحة والآثار والأشغال العامة والاسكان والشؤون البلدية للتجهيز للإحتفال الذي سيراسه غبطة الكاردينال الراعي ، منوها أن آخر القداس ترأسه البطريرك فؤاد الطول بطريريك القدس للاتين مؤخراً شارك فيه عدد كبير من ابناء الطوائف المسيحية في الاردن والمشرق العربي.
 
زيارة البطريرك الراعي.. تأكيد على الإستمرار في العيش معا
 
من المتوقع توجيه الدعوات إلى عدد من القيادات اللبنانية الرسمية والمدنية والإعلامية ، للمشاركة في حدثٍ يحمل صفته الحضارية ، أبعد من النطاق الديني المباشر ، لأن هذه الكاتدرائية يعود تاريخ بنائها إلى العام 557 ميلادية ، وبقيت لتؤرّخ لتاريخٍ طويلٍ من العيش المشترك بين أبناء المنطقة التي ساد فيها الإسلام كدين وحضارة حافظت على التراث الإنساني وحفظت حق المواطنة والشراكة وبنت مداميك التعاون والتآلف على مر السنين..
 
دعوة لتحصين الحاضر وبناء المستقبل
 
تحمل زيارة البطريرك الراعي للأردن أبعاداً آنية أيضاً ، وأهمها تظهير الصورة الحقيقية للوجود المسيحي الأصيل في الشرق ، المتجذّر في عمق التاريخ والمستمر في الحاضر والمتطلع للمستقبل بثقة وإطمئنان إلى القدرة على تجاوز ما يمرّ بالمنطقة وأهلها من صعوبات نشأت عن تعقيدات ناجمة عن مزيج الظلم والحرمان والتهميش والتدخلات الخارجية ، وما أنتجه كل هذا من عنفٍ إجتاح الدول العربية منذ بضع سنوات حتى اليوم..
يؤكد حدث زيارة البطريرك الراعي إلى الأردن أن عيشنا المشترك لا يزال نابضاً بالحياة ، لا بل إنه قابل وبقوة للحياة وللإستمرار وبناء مستقبل واعد ، وهو ما ستعكسه مشاركة المدعوين والإهتمام الرسمي والشعبي والمواقف المتصاعدة من جنبات هذه الخطوة التاريخية في موضعٍ تاريخي ولحظةٍ تاريخية تشخص إليها الأنظار.
 
مبادرة تستحق الدعم والتقدير
يتشابه النسيج الإجتماعي والديني بين لبنان والأردن ، فالبلدان يحملان إرث حضاراتٍ تاريخية موغلة في القدم ، ويضمان المسلمين والمسيحيين ، الذين خبروا تجربة العيش معاً عبر العصور المتعاقبة ، ويحملان الهموم والتحديات المشتركة ، ولهذا فإن مبادرة السيدة مولوي والتجاوب السريع والراقي من الجانب الأردني والتفاعل الإيجابي المميز لغبطة البطريرك الراعي.. خطوات تستحق الدعم والتقدير والإهتمام ، على المستوى الرسمي والشعبي في آن.