إنتهت منذ منتصف ليل أمس ولاية مجلس النواب اللبناني بعدما أمضى أعضاؤه تسع سنوات متتالية، بفعل تمديد ولايتهم لثلاث مرات بسبب الظروف السياسية والأمنية، لتبدأ الولاية الجديدة لمجلس عام 2018 الذي من المفترض أن يعقد يوم غد الأربعاء أولى جلساته لانتخاب رئيس لمجلس النواب هو الرئيس نبيه بري الذي تتوافق الأكثرية النيابية على إنتخابه مجددا، باستثناء القوات اللبنانية التي أعلنت أنها سيكون خيارها الورقة البيضاء، إضافة الى إنتخاب نائب لرئيس المجلس، وهو على الأرجح سيكون النائب إيلي الفرزلي الذي يحظى بدعم تكتلات نيابية وازنة (لبنان القوي، الوفاء للمقاومة، التنمية والتحرير، اللقاء الديمقراطي، وعدد آخر من الكتل الصغيرة) ما يجعله يتقدم على مرشح القوات اللبنانية النائب أنيس نصار.
مع تسلم مجلس النواب الجديد مهامه رسميا، تستقيل الحكومة بشكل تلقائي وتتحول الى حكومة تصريف أعمال، وهي عقدت إجتماعها الأخير والوداعي يوم أمس، لذلك فإن كل الأنظار ستتجه بعد غد الأربعاء الى الاستشارات النيابية الملزمة التي من المفترض أن يدعو إليها رئيس الجمهورية ميشال عون لتكليف رئيس جديد للحكومة، حيث تشير المعطيات الى أن الرئيس سعد الحريري سيكون الأوفر حظا بالتكليف، وأنه سينطلق مباشرة باستشاراته لتأليف الحكومة التي يجمع كل المطلعين بأن ولادتها لن تكون سهلة.
لا يختلف إثنان على أن ثمة رغبة من أكثرية التيارات السياسية بتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، فرئيس الجمهورية ميشال عون متحمس لانطلاق عهده بشكل رسمي بعد الانتخابات النيابية، وحزب الله يريد الاسراع بتشكيل حكومة لتكريس مشاركته فيها بثلاث وزارات (بحسب المعلومات) قبل أن تتصاعد هجمة العقوبات الأميركية والخليجية التي تهدف الى محاصرته، وقد عبر السيد حسن نصرالله عن ذلك أكثر من مرة عندما شدد على ضرورة الاسراع بتشكيل الحكومة، وكذلك الرئيس نبيه بري الذي يبدي دعمه للعهد، والرئيس سعد الحريري الذي يتوق للعودة الى الحكم.
لكن حساب الرغبات ربما لا يتطابق مع بيدر الحصص السياسية التي يتمسك كل فريق بها، أو تلك التي تدخل ضمن الحسابات المحلية والاقليمية، الأمر الذي يجعل الرئيس سعد الحريري أمام مهمة شاقة، تبدأ في كيفية تمثيل حزب الله في الحكومة بعد العقوبات الأميركية والخليجية عليه، ولا تنتهي بالحصة التي ستعطى للقوات اللبنانية المتحصنة بانتصار ضاعف من عدد نوابها والمدعومة سعوديا وإماراتيا والمحاصرة من تكتل لبنان القوي برئاسة جبران باسيل، وما بينهما من تمثيل السنة من خارج تيار المستقبل، وتمثيل الدروز حصرا بالنائب وليد جنبلاط.
لا شك في أن الحريري سيكون بين سندان إرضاء السعودية الداعمة للقوات اللبنانية وتلبية رغبتها بإعطائها حصة وزارية وازنة، وبين إلتزامه السياسي مع رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الذي يحاول محاصرة القوات ودفعها للخروج من الحكومة الى المعارضة ما يمنح تكتله حصة شبه كاملة وزاريا، خصوصا أن العلاقة بين الطرفين المسيحيين تتجه الى مزيد من التأزيم، الأمر الذي يربك الحريري أكثر فأكثر.
كما سيكون الحريري أيضا بين سندان رغبة حزب الله بعدم الزهد في حصته الحكومية، ومطالبته بثلاث وزارات أساسية، سعيا منه لممارسة دور سياسي فاعل ضمن الحكومة، وبين مطرقة العقوبات المفروضة عليه والتي تشكل السعودية رأس حربة فيها.
هذا بالاضافة الى أن الحريري سيجد نفسه مضطرا للتخلي عن حصته الوزارية الخاصة بتيار المستقبل، لمصلحة كتلة العزم التي من المفترض أن تتمثل بوزير سني يسميه الرئيس نجيب ميقاتي، إضافة الى تمثيل النواب السنة المستقلين في حال طالبوا مجتمعين بذلك، فضلا عن إلتزام الحريري بدفع فاتورة الانتخابات في طرابلس بتوزير النائب السابق محمد الصفدي أو من يمثله، ما سيجعل حصة المستقبل في الحكومة المقبلة تقتصر على وزيرين إضافة الى الحريري كرئيس للحكومة.
يشير مطلعون الى أن القوات اللبنانية المدعومة سعوديا، وبالرغم من إنتصارها النيابي، فإنها لا تمتلك حق الفيتو في تشكيل الحكومة التي يمكن أن تتشكل من دونها، إلا في حال قررت السعودية أن تمارس تأثيرها وضغطها على الرئيس سعد الحريري سواء بالاصرار على اعطاء القوات حصة وازنة أو في ترجمة العقوبات الأميركية والخليجية على حزب الله، عندها سيجد الحريري نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يسير بالتسوية السياسية القائمة بشكل كامل ويقف الى جانب تكتل لبنان القوي إلتزاما بالتحالف السياسي معه، بما يمنحه القدرة على إنجاز الحكومة بعد تذليل بعض العقبات محليا، أو أن يخضع للاملاءات التي من شأنها أن تضع العصي في دواليب قطار حكومته التي قد لا تصل الى بر الأمان.