#عادل_إمام يعود قوياً في المنافسة هذه السنة. البداية مُحمّسة، موضوعها يُعمّق الرغبة في المتابعة الجدّية. الزعيم يعود إلى قواعده آمناً في #رمضان 2018، بعدما أغرقته أمواج تائهة. ولعلّ التخلّي عن الكاتب يوسف المعاطي قذفه إلى برّ النجاة. يُمسك المشهد في "عوالم خفية"، بعد إفلاته في مواسم رمضانية فاتت، وفقدان السيطرة حدّ التراخي. لنقل إنّه موسم عودة الزعيم إلى رأس الأجندة.
كنّا فقدنا الأمل، فالرجل انزلق في اختيار النوعية ووُضِع في غير إطاره. لكنّ الحياة تُجدّد الآمال، كما تكبر بذرة في تربة عطشى، تمتدّ يدٌ وتسقيها. هذه اليد هي الثلاثي في الكتابة أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان (الإخراج، كما دائماً، لرامي إمام). ينتحّى المعاطي بعد نصوص امتصّت وهج الزعيم، رغم عمق التاريخ والمسيرة، وأدخلته في "غيبوبة". النصّ هذه السنة يترك العفاريت جانباً، والسذاجات والابتذالات الجنسية. يعيد إلى عادل إمام اعتباره ويمنحه دوراً مؤثّراً في قضايا المجتمع. اشتقتا وحياة النبي. نكتب بفرحة مَن وجد أخيراً الإبرة بعدما فقد الأمل بكومة القشّ.
مردُّ الفرحة أنّه عادل إمام، اسمٌ أضحك دواخلنا الحزينة وخفّف عبوس الحياة. هو في "عوالم خفية" ("سي بي سي") صحافي صادق يُدعى هلال كامل، يختزل نُبل الرسالة الإنسانية المُتجسّدة في البحث الدائم عن الحقيقة. كلّ ما حوله في وضعية انهيار: عائلة مفكّكة، مجتمع مضطرب، ورقابة ناشطة. لا يكتفي هلال بمراقبة الإخفاقات، بل يضع الإصبع عليها. هذه المرة يعالج قضية، بعدما أمضى مواسم رمضانية يلتفّ حول الموضوعات مثل بوصلة من دون إبرة. هو في عمق الجدل والسؤال المُقلق عن إشكالية الأمانة والضمير والحرية. معلومات خطيرة بيد صحافي مُهدّد، هل ينشرها أم يحجبها؟ طريق الحقيقة إن عُبدّت بالأشواك، اجتيازها خيارٌ أم واجب؟ أمام هذه الاستفهامات، يقف عادل إمام، محاولاً الإجابة. لا يلعب. لا يرمي نكتة باردة. ولا ينتظر أحداً أن يضحك. يتجاوز الضحك في المسلسل كونه هاجساً مُلحّاً. المعضلة أكبر من كوميديا عابرة، ووضع النقاط على الحروف في منتهى الضرورة. مصر مُجسّم يحاكي المجتمعات العربية المأزومة في قراءتها إشكالية حرية التعبير. هنا مَسّ درامي بالخطوط الحُمر ومحاولة تجاوزها. الزعيم يضرب بيد من حديد الصورة النمطية المأسور بها. يحطّمها بقبضة واثقة. ليقول على الملأ: ولّت أيام الدونجوان أو المُراهِق رغم الزمن. ولّت دعابات لم تعد تُضحك. وولّى التمسّك بالأبراج العالية والدهشة من فوق. يعود عادل إمام إلى الشارع لتنطلق من هناك حوادث المسلسل. من كتاب يلتقطه مصادفة، فتكبر كرة الثلج وتجرف لتُسقِط وجوهاً وأقنعة.
تكتب الفنانة مريم رياض (رانيا فريد شوقي) مذكراتها قبل أن تُقتَل وتُلمّ الجريمة. "أول ما الأضواء بعدت عني، ما بقتشِ مهمة لأيّ حدّ". بالأحرف الأولى، تكشف أدوار أسماء كبيرة في صفقات فساد ضخمة، فيقع الكتاب بيد هلال الباحث عن المتاعب. يتبنّى القضية ويدرك أثمانها. يفلش المسلسل أوراقه على طاولة جاهزة لأن تُقلَب. الصحافة الحرّة في مواجهة الضمائر الميتة. نبض الشعب في مواجهة ضغوط السلطة. والعدالة في مواجهة الوحشية. ليت عادل إمام لا يخذلنا، فيضرب بقدميه ما بناه بيديه. المسار إن استمرّ على سكّته، مدركاً اتجاهه، مُنتظماً، سيبلغ نهاية يمكن التوقّف عندها. لا تخذلنا يا رجل، فـ "الغيبوبة" هذه المرة ستكون قاتلة.