ما بين السيدين "مقتدى الصدر" و "حسن نصرالله" من صفات شخصية وعامة مشتركة في المقاومة لا في السياسة و أخرى باعدت بينهما وجعلت من كل سيد سيداً في حدود الدور الذي يلعبه، ففوز "نصرالله" في الانتخابات النيابية لا يغيّر شيئًا في تركيبة لبنان في حين أن فوز "الصدر" سيغيّر من وضع العراق كونه مشروعاً وطنياً لا لاعباً أساسياً داخل منظومة مصالح إقليمية لهذا سنستعرض دور الصدر لمعرفة كيف يفكر سيد شيعي معارض ومقاوم بطريقة مختلفة تماماً عن طرق مقاومة ترى بعين مختلفة العدو و الصديق و الوطن.
هو سليل عائلة علمية تمتد جذورها في تاريخ التشيع وهو وريث أبيه المرجع الديني وله أكثر من صلة عائلية مع المرجعين الكبيرين السيدين محمد باقر الصدر وموسى الصدر وهو من حمل على صدره أوسمة عائلة صدرية لم تهادن نظام صدّام حسين والكثيرون من آل الصدر ارتفعوا شهداء في معارك بمواجهة نظام البعث الذي مثّل في عائلة الصدر التي اختارت القيام على القعود ضدّ بعثي مستبد.
إقرأ أيضًا: الصدر يقتدي ببري وموسى الصدر فينتصر
والأوّل أيضاً أكمل سيرة أجداده وآبائه وبقيّ في خط الجهاد والشهادة حتى بعد سقوط نظام البعث فإن مقتدى لم يهادن الاحتلال الأميركي كما فعلت باقي التيارات الشيعية ولم يدخل قفص السلطة ليأكل خبز العراقيين بغير حق وبقيّ في خط المعارضة لحزب الدعوة الذي حكم العراق بأبشع الصور وخاصة لمرحلة المالكي والتي دفع بها البلاد والعباد الى حرب طاحنة دمّرت العراق وشرّدت العراقيين بعد أن حوّل ثروة العراق الى جيبه الخاص وجيوب حاشيته والتزاماته الخارجية لتغطية نفقات حروب لا علاقة للعراق بها.
تحوّل الأوّل الى ظاهرة كبيرة غطّت الظواهر الشيعية الأخرى رغم بقائه حرّاً ولم يدخل تحت عباءة أحد أو أجندة عربية أو اقليمية أو دولية وخير دليل مقاتلته لفساد المالكي الذي اعتبره خطراً أكبر بكثير من الارهاب نفسه ورغم عروض متتالية عليه من القاصي و الداني للسكوت على الفسادين السياسي والمالي مقابل حصّة في السياسة والمال فإن وريث مجد أجداده رفض الإذعان للفساد وبقي مقتدى سيفاً صدرياً يقاتل على كل الجبهات ولصالح عراق متعاف من الأمراض الداخلية.
عندما احتل العراق من قبل داعش خلع مقتدى الصدر عباءته واصبح فدائياً لأجل العراق، تماماً كما فعل المرجع باقر الصدر من قبله والإمام موسى الصدر في لبنان وأسهم في تحرير العراق من داعش وجاءت الانتخابات النيابية لتنصف مسيرة السيد الصدر فغلب باقي التيارات الشيعية المزودة بكواتم الصوت وبأموال طائلة وبتأييد غريب عجيب من الأعاجم ومن بعض العرب وبدأ العراق ينحو منحى آخر في محاولة من أبنائه المخلصين لبناء الدولة لا لبقاء المزرعة.
إقرأ أيضًا: السعودية المشتومة على مسمع المستقبل تحشر الحريري
في أوّل حديث له بعيد صدور النتائج قال مقتدى الصدر: "اليد ممدودة للجميع لبناء العراق" وفي زيارة الرئيس العبادي له أعاد السيّد موقفه قائلاً: "اليد ممدودة للجميع لبناء دولة يتساوى فيها العراقيون بالحقوق والواجبات والعمل على حكومة لا تنف أحداً وتستوعب الجميع ولا مكان فيها للصوص والسماسرة وأصحاب السمعة السيئة في السياسة و المال العام".
لم يتفوّه مقتدى الصدر بكلمة غير عراقية ولم يستخدم قاموس المذهب والطائفة ولم يضع العراق وسط زوابع الصراعات الاقليمية ولم يدخل يوماً القدس فاتحاً بابه كل يوم ولم تجذبه فلسطين كقضية مستنزفة ومستهلكة منذ النكبة ولم يخاطب جمهوره الواسع والذي يعدّ بالملايين وعلى طريقته البسيطة والتي تحاكي حاجاتهم ومصالحهم في حياة كريمة لا في آخرة تنتظرهم لتعوض لهم عن خسائرهم الفادحة في الحياة.
إنه مثل إمامه موسى الصدر حمل لواء الحرمان وقال لبنان أولاً فعمل لبناء الدولة العادلة حتى لا يبقى محروم واحد وردّد ذلك مقتدى الصدر وقال: "العراق أولاً لبناء دولة السيادة لا دويلة المليشيات، ولا لسلطة قرارها ليس بيدها بل بأيادي غير عراقية" وقال ما قاله الصدريون على امتداد أدوارهم التاريخية بلغة وطنية لا تفوح منها روائح غريبة عن طينة الوطن فلا أوكرانيا وخلافات الروس مع أميركا وأوروبا ولا حرب الكوريتين ولا الملف النووي ولا الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي كما هو سائد ولا حروب فتح وحماس الطويلة الأمد ولا اليمن الحوثي أو السعودي ولا سوريا بأسد أو بلا أسد ومواضيع وعناوين أخرى تستجذب زبائن غب الطلب مدرجة في سلم أولويات واهتمامات رجل دين ورجل سياسة وابن ثورة عراقية وابن مآسي وجروح وتاريخ وإرث نضالي كبير لا يمكن لأحد أن يطاله بكلمة غير نزيهة أو مشككة في سجله النظيف وفي مقاومته لعدوين لدودين للعراق هما الإحتلال أياً كان اسمه ومصدره والفساد و أيّاً كان سببه ومُسبّبه.