يُعتبر البنك الاوروبي لاعادة الاعمار والتنمية (EBRD)، المؤسسة المالية الدولية الأكثر حداثة التي دخلت الى لبنان للعمل فيه. وقد جاء دخول (EBRD) في توقيت سمح لهذا المصرف الذي رأى النور في العام 1991، بالمشاركة في مؤتمر «سيدر». ويستعدّ المصرف حاليا ليكون شريكا في تنفيذ مشاريع وردت في لائحة مشاريع «سيدر».
هذه الحماسة تدفع الى التساؤل عن الأهداف اولا، وعن الاجواء التي شجعت المصرف على هذا الدخول في هذا التوقيت. واذا ما كان الهدف غير المعلن، تقديم العون لضمان بقاء النازحين السوريين في لبنانن وعدم تسرّبهم الى اوروبا والعالم.
بالنسبة الى نائب رئيس البنك الاوروربي ألان بييو، الذي زار لبنان قبل ايام، وجال على بعض المسؤولين واطّلع على الاوضاع، لا ينظر (EBRD) الى النازحين في لبنان، وكأنهم كيان قائم في حدّ ذاته، او كأنهم هدف. «لكن لا شك في ان لبنان يستقبل عددا ضخما جدا من النازحين»، كما يقول بييو لـ»الجمهورية»، «هذا العدد يؤثر على الاقتصاد، ويشكل ضغطا كبيرا على نوعية الخدمات العامة، من مياه ونقل واستهلاك الطاقة. في ما يخصنا كمصرف، بعض الاستثمارات التي نقوم بها في لبنان، تساعد السلطات اللبنانية على تحصين قدراتها على ادارة مشاكل النزوح. مشاريعنا في لبنان هدفها الاساسي مساعدة البلد وأهله».
عن الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، يقول بييو ان «الاقتصاد اللبناني عرف نموا ضعيفا في السنوات الاخيرة. هذا النمو الضعيف يؤثر سلبا على حياة عدد كبير من اللبنانيين، خصوصا في الارياف. ونعتقد ان دعم النمو يمر عبر جذب الاستثمارات في القطاعين العام والخاص. في القطاع العام، على مثال المشاريع التي عُرضت في مؤتمر سيدر. لكن ايضا، يحتاج لبنان الى جذب الاسثمارات الى القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص يبقى المحرك الرئيسي للاقتصاد».
يضيف: «بالنسبة لنا في البنك الاوروبي لاعادة الاعمار والتنمية، نحن موجودون في لبنان منذ ايلول 2017، ونعمل بكل طاقتنا لتحفيز ودعم الاستثمارات في القطاع الخاص، في كل القطاعات، منها الطاقة والبنى التحتية والمؤسسات الخاصة، خصوصا في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
عن الأسباب التي دفعتهم الى دعم مشاريع للقطاع العام في سيدر، في حين ان عملهم في المصرف يتركّز في العالم على الاستثمار في القطاع الخاص، يوضح بييو ان دعم (EBRD) في سيدر لمشاريع عامة هي بالشراكة مع القطاع الخاص. المشاريع التي طُرحت في سيدر يُفترض أن يتمّ تمويلها من القطاع الخاص أيضا بنسبة تصل الى 35%، كما هو مقترح من قبل الحكومة اللبنانية. طبعا الموضوع ليس سهلا، لأن برنامج المشاريع الذي طرح في المؤتمر، واسع وفضفاض، ويضم مشاريع بنى تحتية، ومشاريع لها علاقة بالبلديات.
وما سنفعله، اننا سنناقش هذه المشاريع مع الحكومة المقبلة لتحديد الاولويات، لأن من البديهي انه لا يمكن تنفيذ كل المشاريع دفعة واحدة. بعد تحديد الاولويات، علينا ان نقرر أيٍ من هذه المشاريع الواردة ضمن الاولويات، سوف نشارك في تنفيذها، لأننا لسنا وحدنا في عمليات التمويل، فهناك البنك الدولي، البنك الاوروربي للاستثمار، مؤسسة التمويل الدولية، والقطاع المصرفي التجاري.
وعندما أنظر الان الى لائحة المشاريع المطروحة، يتكوّن لدي انطباع بأننا نستطيع ان نقدّم قيمة مضافة في ثلاثة قطاعات. القطاع الاول الطاقة، وهو قطاع حيوي بالنسبة الى لبنان.
ونحن ناشطون جدا في الدول التي نعمل فيها حاليا في هذا القطاع، خصوصا في الطاقة المتجددة من الهواء او الشمس. والحكومة اللبنانية تملك مخططات طموحة في هذا القطاع، اذ تنوي زيادة نسبة الطاقة المتجددة من 4% الى 20% من مجموع الطاقة المستهلكة في البلد.
ونحن ننوي المساهمة في هذا المشروع، وسنعمل مع القطاع الخاص الذي حصل على اتفاقات مع الدولة اللبنانية على تنفيذ مشاريع في هذا القطاع، لتمويل هذه المشاريع. كذلك قد نساهم في تمويل مشاريع لتوليد الطاقة بالاسلوب الكلاسيكي أي تشييد معامل انتاج تعمل على الغاز او الفيول.
القطاع الثاني الذي نهتم بتمويله هو قطاع المياه، التوزيع، ومعالجة المياه المبتذلة. ونأمل ان نتمكن من العمل مع المتعهدين الذين يتولون ادارة هذا القطاع. القطاع الثالث، وهو الاكثر تعقيداً، يتعلق بمشاريع يتم تنفيذها بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
هذا النوع من المشاريع يمكن تطبيقه في تأهيل وتوسعة الطرق، في توسعة المطار، في اقامة مناطق مرفأية. لكن هذا النوع من المشاريع لن يكون سهلا، ولبنان ليس معتادا على هذا النوع من العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص. في البداية، ينبغي تدريب مهارات وايجاد خبراء في هذا المجال، وينبغي العثور على مستثمرين في القطاع الخاص يرغبون في هذا النوع من الاستثمارات، يجب تأمين أطر قانونية اضافية لتسهيل تنفيذ هذه المشاريع.
صحيح ان لبنان أقر قانون الـPPP لكن ذلك لا يكفي، وينبغي انجاز خطوات اضافية كثيرة مكملة للقانون. بالنسبة لنا، سوف نختار مشروعا او مشروعين من المشاريع الواردة في لائحة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وسيكون اختيارنا على اساس المشاريع القابلة للتنفيذ.
نحن في (EBRD) نتعاطى بواقعية، ونريد ان نعمل على مشاريع قابلة للتنفيذ. هناك لائحة طويلة من المشاريع وبعضها قد يكون غير قابل للتنفيذ ويتضمن تعقيدات كثيرة، هذه المشاريع لا تهمنا، نحن سنركز على العمل في مشاريع يمكن تنفيذها، أي المشاريع التي تحظى بارادة سياسية لتنفيذها، وتقنياً قابلة للتنفيذ.
كما اننا نهتم باختيار مشاريع عندما يتم تنفيذها يستطيع المواطن ان يلمس ايجابياتها في حياته اليومية، مثل المياه او توسعة المطار او بناء معمل لتوليد الكهرباء. ونحن نهتم بالمشاريع التي يمكن تنفيذها في فترة قريبة، اي في خلال سنتين، اما المشاريع الطويلة المدى فسوف ننظر فيها لاحقا.
عن احتمال ان يتأثر دعم البنك الاوروبي بنتائج الانتخابات النيابية التي ربح فيها حزب الله وحلفاؤه مقاعد اضافية في البرلمان، اعتبر بييو ان لبنان بلد ديمقراطي، ولا يعود له أو لمصرف (EBRD) ان يقيّم نتائج الانتخابات، فاللبنانيون أعلنوا خياراتهم في صناديق الاقتراع، وخيارهم يجب ان يُحترم. وبالنسبة لنا كمصرف سوف نعمل مع الحكومة اللبنانية المقبلة، بصرف النظر عن مكوناتها وشكلها.
وعمّا اذا كان المصرف قدّم نصائح اقتصادية الى الدولة اللبنانية، يوضح بييو ان مهام المصرف تنحصر في تمويل مشاريع خصوصا في القطاع الخاص، وفي تقديم مشورة الى الحكومات التي يعمل معها لاطلاق عجلة الاصلاحات في قطاعات محدّدة، لكن وفق منظور عملي واضح.
نحن لسنا صندوق النقد الدولي لكي نقدم نصائح ماكرو-اقتصادية. لكننا، وعلى سبيل المثال، ومن أجل تطوير قطاع الطاقة المتجددة، لن نتردد في تقديم النصح والمساعدة للدولة اللبنانية حول الاتفاقات القانونية التي ينبغي ابرامها لتطوير هذا القطاع. وهذا الامر نمارسه في لبنان بالنسبة الى قطاع الطاقة.
وعن أهداف توقيع عقود مع مصارف لبنانية، مثل بنك عودة وفرنسبنك، يقول بييو، «نحن قوم متواضعون جدا، ونريد ان نتعلم، ولكي نتعلم نستعين بالمصارف اللبنانية التي يفترض انها تعرف الارض اكثر منا. وبواسطة هذه الاتفاقات نحن ندعم المؤسسات في القطاع الخاص، خصوصا المتوسطة والصغيرة منها. وسوف نعقد اتفاقات تعاون جديدة مع مصارف لبنانية اخرى في المستقبل».