منذ بدأ التيار الوطني الحر يخوض الاستحقاقات الانتخابية النيابية، اتخذ مساراً لفصل النيابة عن الوزارة. طبّق هذا المبدأ في مراحل عدة. وحتى قبل إجراء الانتخابات الأخيرة، كان التيار يرفع هذا الشعار، وتردد على لسان رئيسه جبران وباسيل وغيره من مسؤولي التيار. قبل نحو شهرين من الانتخابات، سئل باسيل عن مصير هذا المبدأ إذا ما نجح في الانتخابات، وهل سيعود وزيراً إذا ما أصبح نائباً. أجاب حينها أنه يترك الأمر مفاجأة.
على ما يبدو أن التيار تخلّى عن هذا المبدأ، ولن يفصل ما بين النيابة والوزارة، أو سيكون هناك بعض الاستثناءات. هناك أسباب كثيرة ستوفر ذريعة للتيار لعدم الالتزام بذلك، وأولها أن الأفرقاء الآخرين لم يوافقوا على الالتزام بهذا المبدأ، وبالتالي فهو لا يجد نفسه مضطراً إلى تطبيقه وحيداً. هذا المبدأ الذي رفعه التيار وأيده تيار المستقبل والقوات اللبنانية، وكان موضع اتفاق بين الرئيس سعد الحريري وسمير جعجع، فلن يسلك طريقه إلى التطبيق لدى التيار الوطني الحر. فيما القوات ستلتزم به، بينما المستقبل لم يحسم خياره بشأنه بعد، لكنه يفضّل تطبيقه، كي لا يكون محرجاً من توزير نواب كثر، ولاستبعاد شخصيات نيابية لا تزال تسعى لأن توزّر. بينما الحريري يريد فسح المجال أمام شخصيات لم تترشح للانتخابات.
تبدو القوات اللبنانية وحزب الله المرشحين لتطبيق هذا المبدأ، فالقوات تنطلق من عنوان رفعه رئيس الجمهورية ميشال عون حين تحدّث عن إمكانية تشكيل حكومة أكثرية، وفصل النيابة عن الوزارة، كي لا يكون النائب الذي من واجبه مراقبة الأداء الحكومي، هو أحد مكونات الحكومة، فينتفي مبدأ المراقبة والمحاسبة، ويحصل إخلال بمبدأ فصل السلطات. فيما المبرر لمن يريدون الخروج عن هذا المبدأ، هو أن المرحلة ستكون لحكومة وحدة وطنية وليس لحكومة أكثرية، وهذه ذريعة جديدة يمكن البناء عليها لتوزير عدد من النواب.
التجاذب السياسي في شأن الحصص، هو ما دفع التيار إلى التخلّي عن هذا المبدأ، خصوصاً أن الوزير جبران باسيل الذي أصبح نائباً، ليس مستعداً للتخلي عن وزارة الخارجية، بل هي هدف استراتيجي بالنسبة إليه لتعزيز علاقاته الدولية طالما أنه يخوض معركة رئاسة الجمهورية، وهو يعوّل على موقعه هذا للذهاب بسياسة دولية توائم بين مختلف المحاور، كما فعل في مؤتمر القمة الإسلامية في اسطنبول. وهناك انتظار لتحركات جديدة سيقودها في الأيام المقبلة باتجاه الدول الأوروبية، انطلاقاً من موقفها المتمسك بالعلاقة مع إيران وبالاتفاق النووي معها، لتشكّل جولته عنواناً أساسياً لتجنّب العقوبات التي فرضت على حزب الله، والضغط عليه وعلى عملية تشكيل الحكومة من خلال رفع شعار استبعاده.
وهذا التمسك أيضاً سيلغي مبدأ المداورة في الحقائب الذي كان التيار الوطني الحر قد طرحه أيضاً. لكن تمسّك الرئيس نبيه بري بوزارة المال وبقاء الوزير علي حسن خليل على رأسها، دفع التيار إلى التمسّك بالحقائب التي بحوزته. وهنا تشير المصادر إلى أن الوزارات السيادية قد تبقى على حالها لناحية توزيعها ما بين الكتل. وهناك نوع من المفاوضات الجارية بين مختلف الكتل للتوافق على هذا المبدأ، لا سيما بين الرئيسين عون وبري، بحيث حصل تقاطع مصالح بينهما في شأن تسمية النائب إيلي الفرزلي لمنصب نائب رئيس مجلس النواب، فيما التيار سيتجه إلى توزير النائب الياس بو صعب، وهذا تخلٍّ ثان عن مبدأ فصل النيابة عن الوزارة.
يعزو التيار الوطني الحر هذا التخلي إلى عدم التزام الأفرقاء بتطبيقه، معتبراً أن بري رفض تثبيت هذا المبدأ لأنه لا يعتبر قانوناً ملزماً، بل هو جزء من خيار سياسي للأحزاب. بالتالي، لا أحد مجبراً على تطبيقه. عليه، تعتبر مصادر مطّلعة أن التيار الوطني الحر سيخرج ليقول إن المرحلة لا تسمح بتطبيق هذا المبدأ، فيما الغاية ستنصب بعد تشكيل الحكومة، للعمل على إقرار قانون في مجلس النواب ينصّ على الفصل بين النيابة والوزارة، يصبح ملزماً لجميع القوى.