ما زالت بيروت العاصمة تعيش على ثقافة الاستقواء بفوضى السلاح منذ 7 ايّار عام 2008، عندما اجتاح «حزب الله» وحلفاؤه بيروت بحجج واهية، وحاصَر السراي الحكومي ورفع أعلامه وشعاراته، وأعلام حلفائه الموالين لإيران في عدد من الشوارع والاحياء البيروتيّة، بعدما أرعب معارضيه سياسياً وإعلامياً وعسكرياً.
ومنذ ايّام، وما ان انتهت الانتخابات النيابيّة لهذه السنة حتى تكرّر المشهد المؤلم، ولَو مصغّراً ليل 7 ايّار 2018 عندما اجتاحت المئات من الدرّاجات النارية التي تحمل أعلام «حزب الله» وحلفائه بيروت فأرعبت النّاس، رجالاً، ونساء، وأطفالاً، ضيوفاً ومقيمين ورعايا عرب وأجانب.
وعلى مرأى من القوى الامنيّة تحوّلت بيروت خلال ساعات الى الفوضى والمطاردات المتبادلة بين شبّان الأحياء الذين تفاجأوا بهذه المظاهر التي تسبّبت برعب وخوف وحصار للمواطنين، وأسوأ ما في ثقافة الاستقواء هذه على أبناء بيروت صرخات هؤلاء الخارجين عن القانون والاخلاق والعيش الواحد بين المواطنين وهم يردّدون بمكبّرات الصوت «هيّا هيّا هيّا بيروت صارت شيعيّة»، مُتلاقين بهتافاتهم هذه مع آخرين من ثقافتهم في عاصمة البقاع زحلة وهم يردّدون «هيّا هيّا هيّا زحلة صارت شيعيّة».
وبعدها، رفعوا أعلامهم الحزبيّة على تمثال الرئيس الرمز الشهيد رفيق الحريري، الذي حمى المقاومة بمعركة عناقيد الغضب عام 1996 بتصدّيه للجرائم الصهيونيّة في عواصم القرار الدوليّة من واشنطن الى لندن وباريس وأنقرة وحتّى موسكو والفاتيكان، وأدّى تحرّكه آنذاك الى تفاهم نيسان عام 1996 برعاية الأمم المتحدة والمكوّنة من 9 بنود، وأبرز ما فيها «ان لا تطلق اسرائيل والمتعاونون معها النار بأيّ نوع من الأسلحة على مدنيّين أو أهداف مدنيّة في لبنان».
مشكلتنا مع «حزب الله» وحلفائه هي ثقافة الاستقواء الفارسية الصفوية التي يتلقّاها المحازبون من كوادرهم ومن رؤسائهم، وتُترجم عمليّاً على أبناء العاصمة بيروت في كل الحالات والمناسبات الدينيّة والذكريات السياسيّة وفي إخفاقات «حزب الله» ونجاحاته، فإلى متى هذا الاستقواء؟ وهذه الفوضى؟ والشعور المتنامي بفائض القوّة؟ وهل لعاقل أن يصدّق أنّ مئات الدرّاجات بأعلامها تجوب شوارع العاصمة وفي مناطق بعينها هي تحرّكات غير مسؤولة؟
والجميع يعلم أنّ «حزب الله» ومعه بعض حلفائه يكادون أن يحصوا يومياً الدّاخلين والخارجين الى بيروت، ولديهم «داتا» بكل الفعاليّات والشخصيّات وأصحاب الرأي، وأمن هؤلاء يحصي أنفاس المواطنين ويُرعب الرعايا العرب لإبعادهم عن لبنان تحت مسمّيات «محاور الممانعة والمصادمة» وما الى ذلك.
أما آن لهذه العاصمة العربية أن تتنفّس الصعداء من الكابوس التي صنعته ايران؟ أما آن لأهلها والمقيمين فيها أن يشعروا بالأمان والاستقرار؟ السؤال الكبير الذي يوجّهه الرأي العام: ثقافة الاستقواء هذه الى أين سيصل مداها؟ ألا يؤدّي الاستقواء بفوضى السلاح الى استقواء مضاد آخر؟ ماذا يريد «حزب الله» من بيروت وأهلها؟ بل ماذا يريد «حزب الله» وايران من عواصم العرب وحواضرها؟ هل يريدون مقاتلة العدو الصهيوني؟
والعدو الصهيوني عنوانه ومكانه معروف وجناح الممانعة يمتدّ الآن من طهران الى بغداد الى دمشق والجولان ولا يفصله عن الأرض المحتلّة سوى حدود وهميّة، على ربى فلسطين فليسقط الشهداء على أرض فلسطين! وهناك فلتترجم ثقافة الاستقواء وليبرز فائض القوّة ان كانت الشعارات صادقة، والتوجّهات حقيقيّة، وليدخل حينها الى فلسطين وأرضها آلاف الدرّاجات الناريّة ولترفع الملايين من الأعلام على مآذن القدس وكنائسها، وعندها يفرح المؤمنون باليوم المجيد.
ثقافة الاستقواء وفائض القوّة سلاح ذو حدين، امّا أن تكون موجّهة الى العدو الصهيوني، وامّا أن تكون أداة فتنة لقوى اقليميّة لا تهمّها فلسطين وقدسها إلّا بمقدار خدمة قضيّة فلسطين للمشروع الصفوي الفارسي الذي يحلم بـ»قورش جديد» أذرعه العسكريّة ممتدّة من بغداد الى صنعاء ومن صنعاء الى دمشق وبيروت، ليحطّ رحاله على شاطئ البحر المتوسّط، إنّها أضغاث أحلام لإيران وقياداتها وأذرعها التي تقاتل العرب بالعرب.