بعدما إنتهت الإنتخابات النيابية اللبنانية وأفضت نتائجها إلى ما أفضت اليه، نلاحظ بوضوح استمرار معزوفة الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، ببقاء خطابها الذي لم يتغير والذي بواسطته استطاعت تلك القوى أن تجذب ناخبيها.
لم تأتي الطبقة السياسية بجديد بل استمرت بعملية التمترس تحت سقف شعاراتها القديمة القائمة على عمليات شد العصب المذهبي والطائفي وكل حسب رؤيته لما يخدم مصالحه الضيقة دون بذل الحد الأدنى من الجهود التي يفترض أن تتقدم لها لإيجاد العديد من الحلول لعدد كبير وكبير جدًا من المشاكل والأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي يغرق بها البلد ومواطنيه، سوى أن القاسم المشترك بينها هو تكريس مبدأ تقاسم الجبنة واستمرار عملية المحاصصة.
وإذا ما دققنا بنتائج الإنتخابات لنلاحظ أنها أكدت على بقاء القديم على قدمه، مع بعض الهوامش التي لا تمس بالجوهر أو القاعدة.
إقرأ أيضًا: ماذا يجري في بعلبك؟!
لكن المهم في الإنتخابات الأخيرة ونتائجها ليس بعدم قدرة الطبقة السياسية بأحزابها وتياراتها بإنتاج خطاب من نوع آخر يحاكي مشكلات بناء الدولة ويخفف من هواجس المواطنين المثقلة بالعديد من الأعباء والهموم، بل المهم هو في من قدم نفسه على انه بديل لما هو موجود،وفي هذا السياق نجد غياب أي مشروع حقيقي لمن طرحوا أنفسهم بدائل، بل نراهم بأنهم ذهبوا إلى طرح شعارات لا معنى لها ولا تحمل أي قيمة مضافة عند أول إختبار، فكيف يمكننا محاربة الفساد في ظل وجود دولة موازية وكيف يمكننا العمل على تعزيز الشفافية وإستقامة العمل في أطر مؤسسات الدولة في ظل سيطرة قوى الأمر الواقع على العديد من الشرايين الإقتصادية في الدولة "المرفأ والمطار والمعابر البرية"؟! أليست هذه الشعارات هي من طرحها من أطلقوا على أنفسهم "مرشّحو المجتمع المدني" فما الذي تعنيه مثل هذه الشعارات التي شكلت القاسم المشترك في الحملة الإنتخابية لهؤلاء؟
لقد اعتبر عدد من مرشحي "المجتمع المدني" أفترض عدد من مرشحي المجتمع المدني، أنهم إذا دعوا إلى بناء مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات والضمانات الصحية والاجتماعية للمواطنين ومحاربة الفساد سيحصلون على تأييد الناخبين. لكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الكثير من الناخبين، ينتمي في إطار المؤسسات الفلكية التي أسستها الأحزاب على حساب الدولة ومؤسساتها، لأنه غاب عن بال أولئك المرشحين أننا في لبنان لا زلنا لغاية الآن يتم التعاطي مع الناس ليس بوصفهم مواطنون مسؤولون عن خياراتهم بقدر ما يتم التعاطي معهم على أنهم رعايا "تكريساً لسياسة القطيع".
وفي شأن أخطر هناك سؤال يفرض نفسه، ويتمثل بالدعوة إلى أن تتحمل الدولة ومؤسساتها مسؤولية الدفاع عن الوطن، بالوقت الذي يقول رأس الهرم في الدولة،لا زالت مؤسسات الدولة تحتاج إلى إمكانات غير متوفرة وقد لا تتوفر في مستقبل منظور، لحماية لبنان من العدوان الخارجي؟ وفي الوقت نفسه يدعو الى طاولة حوار لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية.
إقرأ أيضًا: الحوار ضرورة موضوعية
ما تقدم به المعارضون من إقتراحات لمعالجة سلطة وهيمنة قوى الأمر الواقع، لم يكن واقعياً، فالمسألة لا يفترض أن تقتصر على التمنيات والوعود والخطابات الشعبوية، ولكنها تكمن في إمكانية الإنتقال من الشعار الإنتخابي النظري إلى واقع التنفيذ العملي، وهذه دعوة جدية لكل القوى والهيئات والكيانات والحيثيات والشخصيات صاحبة المصلحة في الإنتقال من دولة المزرعة والمحاصصة إلى دولة المواطنة والقانون في إطار الإنخراط في عملية بحث جدي وموضوعي لمجموع المشكلات التي يعاني منه البلد وربما مقترح عقد مؤتمر دائم يشكل خطوة جدية نحو وضع خارطة طريق الإنقاذ الوطني، وربما يُحسّن أوضاع القوى المدنية في سياق عملية الخروج من الواقع المهترئ على مستوى الوطن بشكل عام ،خصوصاً ونحن على أبواب مرحلة جديدة تحمل العديد من التحديات على المستوى الداخلي والخارجي، هذا ناهيك عن الضغوط التي فرضت حديثاً على أحد المكونات الأساسية في الطبقة السياسية الحاكمة وبالتحديد "حزب الله" التي طالت رأس الهرم القيادي فيه، الأمر الذي سينعكس سلباً على مسار تشكيل الحكومة الجديدة.وفي الوقت عينه على بعض المعترضين التخفيف من سياسة الأنا لأن هذه السياسة لا تؤدّي إلا إلى المزيد من تراكم الأخطاء، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى المزيد من التشنج والتوتر الذي سينعكس بدوره على مسار العمل برمته، وهنا علينا أن نجرؤ على توجيه نقد جدي لمن سيحاولون تكريس سياسة الأنا، وعليه لابد لنا من مراجعة نقدية للعملية الإنتخابية برمتها وخصوصاً لجهة النسبة المتدنية لعمليات الإقتراع وفقدان الحماسة والتي كانت شبه معدومة خارج أطر الكتل الحزبية المنحازة سلفاً إلى زعاماتها، كما علينا دائماً أن نغلّب روحية العمل الجماعي وتكريس روحية المبادرة والإبداع، وهكذا وبهذه الروحية يمكننا خلق البديل المدني الذي بات ضرورة ملحة على المستوى الوطني.