قد يكون خبر وفاة متسوّلة أمرٌ عاديّ يمرّ مرور الكرام، غير أن هذا الخبر له وقعٌ آخر مع «فاطمة عثمان» مواليد 1965 من «المباركية – عين الذهب» دنبو سابقاً في عكار. في عمر 13 سنة، تركت فاطمة التي تعاني من إعاقة جسدية في رجليها ويديها، منزلها العائلي، لتذهب إلى بيروت، وهناك بدأت رحلتها مع التسول لكونها معاقة امتهنت هذه المهنة.
هي من عائلة فقيرة مؤلفة من 9 أولاد، 3 منهم متوفون. وخلال زيارة إلى منزل الأهل في عكار يتبين أن الأوضاع المادية لإخوتها أيضاً ليست على ما يرام. وعلى قاعدة «زوروني كل سنة مرّة»، كانت تأتي فاطمة لزيارة ذويها في عكار، تمكث قليلاً ثم تذهب. يحاول إخوتها ثنيها عن الذهاب إلى بيروت والطلب إليها أن تبقى معهم، لكنها كانت ترفض وتقول «لا أستطيع العيش إلا في بيروت، ماذا سأفعل هنا؟ في بيروت مدخولي اليومي 300 ألف ليرة».
وحسب رواية الأهل «فإن فاطمة في قرارة نفسها كانت تعلم بأن أوضاع إخوتها المادية ليست بأفضل حال، ولذلك كانت تفضّل أن تبقى متسوّلة في بيروت على أن تزيد شقاء أهلها وتكون عالة عليهم، لكنّ فاطمة أيضاً كانت تتخيل بأن لأهلها أطماع فيها وبمالها، ولذلك لم تكن تحاول مساعدتهم ولا حتى البقاء معهم». أكثر من مرّة، تعرّضت فاطمة لنوبات مرض، فيقوم أخاها بمعالجتها على نفقته، وكان آخر هذه النوبات قبل نحو شهر. عندها أدركت فاطمة أن إخوتها يحبونها وقد تكفّلوا بعلاجها رغم وضعهم المادي الصعب، فأسرّت إليهم قولاً «أنها تملك دفتر حسابات بنكي فيه مبالغ كبيرة ستحصلون عليه في حينه، ولكن عندي وصية لكم بأن تبنوا مسجداً في القرية على حسابي».
لديها أموال ولكن!
يعلم الأخوة أن لدى فاطمة أموالاً، لكن لم يكن في حسبانهم أن الرقم بهذا الحجم: مليار و774 مليون ليرة لبنانية في دفتر بنكي واحد، و5 ملايين ليرة في كيس وُجد معها داخل السيارة التي كانت تنام فيها وماتت بداخلها في محلة النويري، كما أن هناك كلاماً عن حسابات ودفاتر أخرى معها يجري التحقق من أمرها.
وقد نقل جثمان فاطمة من بيروت إلى عكار حيث تم دفنها في منطقتها، لتكون حكايتها من أغرب الحكايات التي تمرّ على مسامع الناس، وكيف أن متسوّلة فقيرة امتهنت الفقر كمهنة، وعاشت الفقر والحرمان كل حياتها رغم أنها تملك المال الذي لم يستطع إسعادها، بل سيتحول سبباً في سعادة غيرها. لم تتزوج. ماتت فاطمة عثمان دون أن تترك وراءها أولاد يرثون ثروتها.
وصيّتها بناء مسجد
يقول مختار المنطقة فادي الأشقر الذي تحدّث باسم العائلة لـ«المستقبل»: «نحن نعمل لحصر الإرث لتوزيع ثروة فاطمة بين أهلها بالعدل وقد كلّفنا محامٍ لهذه الغاية، كما نعمل لرفع السرّية المصرفية عنها لأن لديها حسابين بنكيين آخرين فيهما مبالغ لا نعرف قيمتها حتى الآن». وأضاف: «كان لفاطمة وصيّة قبل مماتها بأن يتم بناء مسجد من مالها في منطقتنا. سنبني هذا المسجد، وسنطبّق وصيتها بحذافيرها».
عاشت فاطمة وماتت متسوّلة فقيرة، وكل ما جنته من مال بالتسوّل كانت تجمعه في حسابات مصرفية، لتكون مثل الوصيّ على هذا المال الذي لم يستطع أن ينتشلها من فقرها وعوزها فكانت تنام داخل سيارة مهترئة، يساعدها عناصر الجيش اللبناني القريبون من مكان تواجدها كل يوم صباحاً لكي تخرج من السيارة، حتى أنه يحكى «أنها كانت سبباً في تثبيت أحد عناصر الجيش الذي ظهر في الصورة وهو يقوم بمساعدتها»، فكانت فاطمة عثمان المتسوّلة، سبباً في سعادة هذا الجندي وسوف تكون لاحقاً سبباً في سعادة أهلها وتغيير واقعهم نحو الأفضل بعد تقاسم ثروتها. لكنها لم تكن سبباً في سعادة نفسها.