لا تشبه قصة عائدة أ.ز. غيرها من القصص التي تنظر فيها المحكمة العسكرية الدائمة حول تهمة الدخول إلى بلاد العدو الإسرائيلي، وما أكثرها.
فعائدة، العائدة من إسرائيل هرباً من أمين عباس الحاج، أحد أخطر عملاء العدو الإسرائيلي، روت أمس أمام المحكمة قصة خطفها على يد الأخير في العام 1989 بعدما لجأت إليه لمساعدتها وعائلتها في السفر إلى أميركا هرباً من أتون الحرب، غير أن الحاج المذكور منعها من العودة إلى منزلها في بيروت حيث انجب منها طفلان بـ«الاغتصاب»، كما تقول، بعدما تزوجها غصباً عنها.
حاولت عائدة، الهرب من «زوجها» العميل الإسرائيلي، ست مرات، وكان في كل مرة يعيدها إلى نهاريا، بحيث تمكن من ذلك بسبب بطشه وقوته المخابراتية آنذاك، قبل أن يسقط نجمه في سماء العمالة التي دامت ثلاثة قرون، وبالتالي عودة عائدة إلى بلادها بواسطة الصليب الاحمر الدولي الذي سمح لها باصطحاب ابنتها فقط فيما بقي ابنها في بلاد العدو.
عائدة، تلك المرأة الفارعة الطويل، والتي تدل ملامح وجهها التي غزتها التجاعيد، بأنها كانت امرأة جميلة، تحمل في حقيبة يدها قصاصات من صحف اجنبية، كتبت قصتها مع العميل الإسرائيلي، وهي أبرزتها أمام المحكمة كدليل على معاناتها مع«زوجها» العميل حيث «كنت أسيرة منزله في نهاريا»، وهي تُحاسب «على غلطة مجرم بحقي»، كما تقول.
تتحدث عائدة عن فقر مدقع تعيشه وابنتها التي لا تحمل هوية لبنانية، وتطالب بالتسريع في محاكمتها لاستكمال الاجراءات القانونية وبالتالي الحصول على هوية، غير أن رئيس المحكمة العميد الركن حسين عبدالله ارتأى إرجاء الجلسة إلى السادس من حزيران المقبل، لمزيد من التدقيق في الملف، بعد أن أخلى سبيل المدعى عليها بكفالة مالية في قرار اتخذه فوراً على قوس المحكمة في نهاية الجلسة.
بمنديل اسود غطت به رأسها، وبعباءة تحمل اللون نفسه، اقتربت عائدة من قوس المحكمة بعد أن سمعت صوتاً يناديها في القاعة، وإلى جانبها وقف محام للدفاع عنها.
بدأ رئيس المحكمة بتلاوة أفادة عائدة الأولية على مسامعها، وفيها بأنها كانت متزوجة من منير ح. الذي توفي، ولها منه صبي وفتاة، وفي العام 1989 قررت العائلة السفر إلى أميركا بسبب ظروف الحرب ولتأمين مستقبل للولدين. كانت عائدة تنصت مؤيدة لافادتها تلك، إلا أنه لدى سؤالها عما أفادت به سابقاً بانها كانت على علاقة مع العميل أمين عباس الحاج الذي طلبت منه الحصول على تأشيرة دخول إلى مستعمرة نهاريا وأقنعها حينها بالزواج منه ووافقت على ذلك وأنها منذ ذلك الحين مقيمة في المستعمرة الإسرائيلية، اقتربت عائدة من المذياع المثبّت على المنصة لتروي أنه في العام 1989 أرادت السفر ككل اللبنانيين لتأمين حياة هانئة لعائلتها، فقصدت الحاج في رأس الناقورة لمساعدتها، فطلب منها 3000 دولار عن كل شخص لتنفيذ طلبها، وبالفعل حملت المال وجوازات السفر إليه، وبوصولها أدخلها مباشرة إلى نهاريا وهددها باتهامها بأنها تقوم بتوزيع مناشير لحزب الله في حال أرادت العودة إلى بيروت.
وقالت عائدة: «هذه عملية خطف تعرضت لها وقد نشرت في الصحف آنذاك»، موضحة أن زوجها لحق بها ولم يُسمح له بمقابلتها. ومنذ ذلك الحين«ما عدت شفت لبنان».
وما كاد رئيس المحكمة يسألها: ألم تتزوجي منه في نهاريا، حتى انتفضت عائدة قائلة: «ليس زواجاً، إنما اغتصاب وضرب وكنت اتناول حبوباً لمنع الحمل ورغم ذلك أنجبت منه ولدين.
ولماذا لم تلجأ إلى أحد ما لمساعدتك، فاجابت: «لم أستطع، فهو كان قد انشأ في المنزل شبكة وكنت أسيرة لديه»، إلى أن لجأت إلى كاتدرائية في حيفا وساعدتها في الهرب عن طريق الصليب الاحمر الدولي، وكذلك بمساعدة «السيد عباس ابراهيم»، قاصدة بذلك المدير العام للأمن العام اللبناني.
ولا تنتهي قصة عائدة عند هذا الحد، فهي تروي أيضاً «رحلتها» إلى فنزويلا، حيث تمكنت في العام 1992 الهرب إلى تلك البلاد، إلا أن الحاج استطاع خطفها أيضاً بجواز سفر شقيقته، لتنتهي قائلة «لم يترك لي لا عمراً ولا شباباً».