سهل وبسيط إيراد ترك المعادلة القائلة في عموميّاتها إن إيران «ربحت» في الانتخابات اللبنانية، لكنها «خسرت» في الانتخابات العراقية. وإنها في المكانين، برغم بعض الهوامش والفواصل، ثبّتت نفوذها من خلال أتباعها، وضمنت مكانة «الورقتَين» العراقية واللبنانية في مشروعها الجموح، ثم في بازار المحادثات والمفاوضات المفتوح مع «المجتمع الدولي» في شأن «وزنها» ومصالحها و«ريادتها» الإقليمية!
وفي ذلك كله شيء من الصحّ والواقع. لكن فيه أشياء من الغلط والافتراض والوهم والتمنيات المستحيلات.
ولن يكون جديداً الاستنتاج الكئيب الذي يجعل إيران منتشية بخراب غيرها. وساعية إلى ذلك الخراب للتعمير عليه إدعاءات قطبية ومحورية ممجوجة. وأنها في الإجمال، في اللغة والتعبئة بعد السعي العملي والممارسة، تعتبر البلايا «إنجازات». والكوارث «انتصارات»، والحرائق المحيطة درعاً نارية تقيها الاشتعال الداخلي.. لكن الجديد، أن هذه الرواية، (وضمن القياسات الإيرانية وليس من خارجها)، صارت تحتاج إلى توضيح لا بدّ منه.
«أوراق» إيران الإقليمية، كانت، وصارت أكثر، في حقيقة الأمر وحصيلته، مثل الجمر الحارق لليدين اللتين تحملانه: تمدّدت في الخارج من أجل الداخل، والذات القومية والمذهبية، لكنها تنحسر في المكانين! في الخارج السوري جرت «الحرب» في مدارها المدعّى أصلاً! وفي الخارج العراقي بطرت حتى انفلقت وخرج عليها من تدّعي وصلهم وأبوّتهم ورعايتهم بالقوّة والمال والشحن المذهبي! وفي اليمن (السعيد!) استأثرت حتى انفجرت. أرادت «كل» النفوذ ونبذت المشاركة ووصلت (وستصل!) إلى الإذعان حُكماً لشروط الآخرين وتقديراتهم لحجم «مشاركة» أتباعها الحوثيين في أي سلطة أو تسوية لا بدّ منها. عدا عن أنها تسبّبت بتوجيهاتها و«مستشاريها» وصواريخها، (وستتسبّب أكثر) بتكبيد هؤلاء الأتباع خسائر لا سابق لها، وستكون لها تداعيات سلبية بعيدة المدى وحتمية!
في لبنان اصطدمت بالحقائق الديموغرافية والجغرافية ولم تستطع «الانقلاب» عليها (على الطريقة اليمنية) برغم قدرة أتباعها في «حزب الله» وتفرّدهم التسليحي.. مثلما رضخت من حيث لا تريد، ومن خلال القرار الدولي الرقم 1701 للمعادلة ذاتها التي تحكم الوضع بين دول الطوق وإسرائيل! مع فارق قيمي بارز مفاده أن غيرها انخرط في تسويات والتزم شروطها ومتطلباتها ولم يدّعِ شيئاً من خارج ذلك، في حين أنّها عبر اتباعها تذعن لواقع الحال التّهْدَوي (والسلمي!) لكنها لا تكفّ عن التهويل والمزايدة صعوداً ونزولاً!
وللمرّة الأولى في هذا المسار الطويل والمدمّر، تتحوّل «أوراق النفوذ» تلك التي أريد منها تأكيد «قوة» إيران، إلى ثقّالات في أيدي الغير (الأميركيين أولاً) لتأكيد «عجزها» و«ضعفها».. والربط بين الداخل والخارج راهناً وصل إلى لحظة حاسمة وصار مُحكماً: الاقتصاد المأزوم، والعملة المتراجعة والعقوبات القارصة (وربما مصير النظام نفسه) كلها أمور صارت خاضعة بالمعنى الابتزازي والسلبي لمصير «أوراق النفوذ» تلك، بعد أن خرج الموضوع «النووي» من الحساب تبعاً لتأكيد طهران استمرار التزامها به، والعمل بموجبه مع الشركاء الدوليين الآخرين الموقّعين عليه إلى جانب الولايات المتحدة المنسحبة منه!
ضاقت خيارات إيران. ومن ينكر ذلك يحتاج إلى فحص أكيد لمقوّماته العقلية.. بل إن ما يجري راهناً يدلّ على خلاصات شاملة انتهت إليها الاستراتيجية التي اعتمدتها «الثورة»، أو صارت قريبة من الانتهاء: لا التدخلات الخارجية أثمرت دوراً قطبياً ومحورياً. ولا المشروع النووي وصل إلى خواتيمه. ولا كفاية تنموية ومالية ترضي الغالبية العظمى من الإيرانيين، بعد أربعة عقود من سقوط الشاه..
تجوز الرحمة على الشيخ هاشمي رفسنجاني: كان أكثر العارفين وأحكم العاقلين في قيادة طهران!