تُطرح مع بداية كل بازار حكومي "بدعة" عمرها لا يتجاوز الخمس سنوات، اسمها "الحقائب السيادية" وهي التي تُطلق على كل من وزارة "المال، والداخلية، والخارجية، والدفاع". جرت العادة خلافاً لأي نص دستوري أن يتم توزيع الوزارات الثلاث الأولى على الطوائف الكبرى (الشيعية، السنية، والمارونية)، على غرار توزيع الرئاسات الثلاث. وأضيفت إليهم، أخيراً، الطائفة الأرثوذكسية لتبوّء الحقيبة الرابعة على اعتبار أنها الأكبر بين الطوائف الصغرى ولا تتمتع بمنصب رئاسي.
تسري هذه البدعة كالنار في هشيم المحاصصة اللبنانية، حكومة تلو أخرى، وتؤخر تشكيل الحكومات قدر المستطاع، ويطول صراع القوى السياسية على مبدأ "كتلتي أكبر من كتلتك". ويتوقع أهل الاختصاص أن تصبح عرفاً شأنها شأن الرئاسات الثلاث مع مرور الوقت، يصعب من بعده تخطيه والعودة للدستور.
غاضبٌ هو الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين من هذا التوزيع الطائفي السياسي للوزارات، "لأن لبنان جمهورية لها وزاراتها وإداراتها، وكل الوزارات متساوية في السيادة والواجبات وفي عطاءاتها للبلد".
ويشبّه تصنيف الوزارات بين سيادية وخدماتية وهامة وغير هامة والصراع عليها، بالأطفال الذين يتصارعون على قطع "غاتو" على بعضها حبة فريز كبيرة وعلى بعضها الآخر حبة فريز صغيرة. ويرى في هذا المنطق المغلوط دلالة قاطعة على أنهم لا يريدون أن يعملوا للبلد بكل مقوماته.
تاريخياً، لم يكن لهذا الصراع أي وجود، بل كان السياسيون يؤمنون بأن البلد واحد لا يتجزأ، لكنه مقياس حديث نشأ في المرحلة الأخيرة عندما سيطرت على القوى السياسية ذهنية المحاصصة وفرض النفوذ والمصالح الخاصة، لا ذهنية دولة لها سيادتها بكل مقوماتها ومكوناتها. أما أهمية الوزارة، بحسب حنَين، فهي ترجع لأداء الوزير نفسه، فهو إما أن يكون وزير صالح ويمنح الأهمية لوزارته، وإما أن يكون عكس ذلك ولا يمنح الأهمية لوزارته.
أما تجاوز هذا التوزيع "المقيت" ووصول بعض الأحزاب للاستبداد بوزارة معينة وكأنها باتت ملكا خاصا يليق بنفوذها وحيثيتها الشعبية، خالطين بذلك بين الشأن العام والملكية الخاصة، يرى فيه حنَين أننا "وصلنا لصلب المحاصصة البعيد كل البعد عن منطق الدولة، لأن الأخيرة ليست ملكاً خاصاً لأحد هي للمواطنين بشكل عام والوصول لهذه الوزارات يجب ان يكون خدمة للمواطنين وليس حقاً مكتسباً لأحد".
لا يلحظ القانون المفارقة والمفاضلة بين الوزارات، بل يعتبر الكفاءة وحدها هي المعيار الأساسي لتوزيع الوزارات والإدارات العامة، مع مراعاة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وتنص المادة 95 من الدستور المعدّلة على تشكيل هيئة لإلغاء الطائفية السياسية وفي المرحلة الانتقالية، أي قبل الغاء الطائفية السياسية على التالي:
تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها. وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
الدستور واضح بشأن توزيع الحقائب الوزارية ولم يصنفها بين سيادية وغير سيادية ويحظر تخصيص بعضها لأي طائفة كانت، ما يعني أن ما يحصل في كل ماراتون حكومي هو مخالفة صريحة للدستور.
ومراعاة الاختصاص بحسب الدستور هي عنصر اساسي من عناصر الكفاءة المطلوبة بغض النظر عما إذا كان الوزير من الطاقم السياسي أم لا، وهو الأمر الذي قلما يُراعى في توزيع الحقائب، وفقاً لحنَين. ولا يتوقع أن يتخلّص لبنان من هذا الداء طالما أن الطاقم السياسي ينتج نفسه، فمع هؤلاء الأشخاص بهذه الذهنية لن يذهب لبنان إلا لمزيد من المحاصصة في الشأن الحكومي.