أحياء بالصدفة نعيش في وطن فاحت منه رائحة الفساد والمحاصصة.
ولم نخجل!
لم يخجل من هم "في سدة المسؤولية"، وكأنهم أبطال خارقون، لا تؤثر فيهم ترسّبات النفايات. أبطال خارقون أخطأوا، وخطاياهم تقاس بمكيال الشعب اللبنانيّ وصحته، وبمكيال وطن.
ولكن إنسَ يا أيها المواطن أنك في بلد، فهواؤنا مهما غرّب وشرّق مسموم، ومهما علّت أمواج البحر جنوباً أو شمالا فإنها لتتكسر على جبال من النفايات فلا تعود خائبة الأمل، إنّما محمّلة بما قَدّرَت لها ضمائر المسؤولين من حصة.
من مقولة "ستّر عليّي لسَتّر عليك" إلى "القواص بالناضور" بين التيارات والأحزاب، والمواطن في الوسط، يتحمّل "ولدنات" رجالات السياسة.
لن أختار مطمراً لأعلّق عليه، ولن أتطرق إلى دور البلديات في معالجة النفايات ضمن نطاق صلاحياتها، ولن أسلّط الضوء على أهمية اللامركزية، وحتى لن أعيد تكرار النتائج السلبيّة والمأساوية، وخطط الطوارئ السريعة الفعالية التي تستقدمها عقول مسؤولينا من بلدان عدلت عنها لحظة تكشّفت لهم مساوئُها، لاجئة إلى فرز النفايات من المصدر، وتدويرها في معامل فرز النفايات القابلة لإعادة التدوير.
لِمَ لا نحوّل أزمة النفايات إلى حلّ جزئي لأزمة الكهرباء؟ الحلول أكثر من أن تعدّ وتحصى، لكنّ إرادة التغيير ليست متوافرة حالياَ.
وإذا بالإنتخابات النيابيّة تعيد تحريك ملف النفايات. صورة لرئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل على شاطئ كسروان، ومن حوله النفايات نُشرت عبر "تويتر" لتقيم القيامة ولا تقعدها، فيدور السجال والأخذ والردّ بينه وبين وزير البيئة طارق الخطيب الذي لم يتردّد واضعاً صورة الجميّل في اطار الحملة الإعلامية الإنتخابية، مسارعاً إلى طلب الادعاء على رئيس بلدية بيت شباب بجرم الرمي العشوائي للنفايات، وتلويث النهر وشاطئ البحر.
إذا كان تلويث الشاطئ اللبناني يقتصر على سبب مماثل، يكون قد حُلّ الجزء الأكبر من المشكلة.
وطبعاً لن تحلّ. أين كانت الوزارة في الأشهر والسنوات الماضية؟ ولِمَ لم تُلاحِق هذا الرمي العشوائيّ؟
لا يقولّنَّ أحد إن الأمر انتهى.
من مطمر الناعمة إلى الكوستابرافا وبرج حمود، إلى سيول النفايات بعد كل شتوة... من ارتفاع نسبة الأمراض الناجمة عن النفايات، من أدنى مقوّمات حياة المواطن المنغّصة، إلى الحياة والتأقلم، مرغمين، مع واقع "زبالة". ويسارع مسؤولونا للاستنكار: "لقد هالنا جميعا منظرالنفايات"، ويقولون: "سنسمي الأشياء بأسمائها".
... وأين أصحبت تسمية الأشياء بأسمائها؟
على الطريق، بانتظار أن تشبع جيوبهم.
يتناسون ولا ينسون... يمغمغون الحكاية، ويرفعون شعار "أزمة النفايات لا تهدد حكومة فحسب بل أكثر من حكومة".
مسؤولونا يدركون خطورة الموقف الذي يهدد أمد رفاهيتهم في مناصبهم، فيتهافتون إعلامياً لتلميع صورتهم متناسين أنهم هم من يحكمون حكماً تقاسمياً.
"على من تقرأ مزاميرك يا داود"، وأنت العالم بحال السياسة في لبنان؟ إختلاف ظاهريّ وتفاهم ضمنيّ من تحت الطاولة على تقاسم الجبنة، وعندما تفوح الرائحة نعلم أنّ خلافاً ما وقع على توزيع الحصص.
"حلّك تفرز"، أيها المواطن اللبنانيّ ، ولقد حان وقت "بدنا نحاسب". إستسلام الدولة لن يحتّم استسلام المواطن وتسليمه بالأمر الواقع.
ما سبق أن قيل لا يندرج في اطار الخطاب السياسي والحملة الإعلامية، فأنا لست مرشحة إلى الإنتخابات إنما هذه صرخة كل مواطن يكافح ليعيش في لبنان. لكن هل تدرون أنّ سبب المشكلات في لبنان - بغض النظر عن إنعدام القرار التغييري وعدم توافر الإرادة وكثرة المحسوبيات والفساد والمحاصصات لأنها كلّها أصبحت تحصيلاً حاصلاً- يكمن في انعدام الأخلاق لدى شريحة كبيرة من المواطنين، عدا عن إنسحاق المواطنيّة أمام المصلحة الفردية.
فمن أين يأتي التغيير، والذهنيات غير قابلة للتدوير؟
(مقالة كتبتها مريم حرب - طالبة في كلية الصحافة - جامعة الروح القدس الكسليك)