أعلنت روسيا وتركيا وإيران اتفاقا على خطوات تهدف لدفع التسوية السياسية في سوريا وعقد اجتماع في مدينة سوتشي الروسية في يوليو (تموز) المقبل، وأكدت الأطراف الضامنة وقف النار التزامها بتثبيت الهدنة ومواصلة العمل لتعزيز مناطق خفض التصعيد، لكنها فشلت في تحقيق تقدم على صعيد ملف المعتقلين الذي كان بين أبرز الملفات العالقة في الجولة التاسعة للمفاوضات في آستانة. ورغم ذلك أعرب رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة عن ارتياح لنتائج الجولة، وأشار إلى ضغوط جدية تمارسها موسكو على النظام لدفع مسار التسوية.
وأصدرت البلدان الثلاثة في ختام جولة المفاوضات أمس بيانا مشتركا اشتمل على عدد من النقاط وصفت بأنها تهدف إلى دعم عملية التسوية السياسية في سوريا.
وأكدت الأطراف الثلاثة استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ودعم تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.
وأعلنت عن اتفاق على إجراء مشاورات ثلاثية مع المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا والأطراف السورية بهدف «تهيئة الظروف المناسبة لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في جنيف بأسرع وقت ممكن». كما أشارت إلى الاتفاق على عقد جولة محادثات جديدة حول سوريا في سوتشي في يوليو المقبل، لمناقشة الخطوات اللاحقة ومسار العملية السياسية. فيما تم تأجيل بحث ملف المعتقلين بعد فشل الأطراف في تحقيق توافق بشأنه، وتم الاتفاق على عقد اجتماع جديد لمجموعة العمل حول تبادل المعتقلين لدى الطرفين السوريين في أنقرة الشهر المقبل.
وأكدت البلدان الضامنة التزامها الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، ودعت لضرورة تجنب الجميع لأي خطوات من شأنها المساس بهذه المبادئ أو محاولات «تقويض إنجازات مسار آستانة».
وحمل البيان المشترك تشديدا على أهمية تنفيذ الاتفاقات حول مناطق خفض التصعيد في سوريا، بصفتها العنصر الأساسي للحفاظ على وقف النار وتخفيض مستوى العنف في البلاد، لكن البيان أكد في الوقت ذاته على عدم تعارض مسألة خفض التصعيد على مواصلة العمليات العسكرية ضد الإرهاب.
ودعت الأطراف الثلاثة إلى تفعيل الجهود الرامية لمساعدة السوريين في استعادة الحياة السلمية الطبيعية عبر توفير له حرية الوصول إلى المعونات الإنسانية والمساعدة الطبية، إضافة مع تأمين عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
وكان لافتا غياب أي إشارة في البيان إلى إجراء تعديلات على بعض مناطق خفض التصعيد، وخصوصا في الجنوب وفقا لطلب من جانب النظام السوري.
كما لفت الأنظار إلى أن الدعوة إلى عقد اجتماع جديد في سوتشي حملت إشارات إلى احتمال نقل مسار آستانة إلى سوتشي وفقا لمصدر قريب من المفاوضات تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
لكن رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة قلل من أهمية هذا الاحتمال وأكد أن المعارضة لن توافق على إدخال تعديل على مكان عقد اجتماعات آستانة، مضيفا أن المهم هو تحقيق إنجاز وتقدم وإذا لم يتم تحقيق خطوات ملموسة فإن الحضور في أي مكان سيكون عليه تحفظات. وأشار طعمة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى ارتياح المعارضة لنتائج الجولة الحالية وقال إنه لمس توجها روسيا جديا لممارسة ضغوط على النظام من أجل دفع الحل السياسي، وبرغم ذلك قال إنه لا يتوقع تطورا سريعا في هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن مواقف النظام لا تعكس استجابة للتوجه الروسي.
وحول ملف المعتقلين، قال طعمة إن التأجيل لا يعني تقليل أهمية الملف، مشيرا إلى أن الأهم هو اتفاق الأطراف الضامنة على مواصلة مناقشة الملف في الجولة المقبلة.
وأشاد طعمة بالحضور الواسع للمعارضة وقال إن الوفد ضم خبرات سياسية وممثلين عن الائتلاف الوطني والمجلس السوري التركماني والنساء وغيرهم.
وكانت الخارجية الكازاخية قللت من أهمية تقارير تحدثت عن تقليص حضور المعارضة، وقالت إنه ضم في الجولة التاسعة ممثلي أهم الفصائل المسلحة، ولم يطرأ على قوام الوفد أي تغيير يذكر مقارنة بالجولات السابقة.
وانتقدت كازاخستان غياب واشنطن عن هذه الجولة واعتبرت أن هذا الغياب «لن يؤثر في مخرجاتها». وقال حيدر بك توماتوف مدير دائرة آسيا وأفريقيا في الخارجية إن «الدول الضامنة موجودة وكل شيء يعتمد عليها في الوقت الحالي. وبالإضافة إلى ذلك يشارك وفد المعارضة السورية والحكومة السورية... وكل القوى هنا، فهل نحتاج إلى أكثر من ذلك».
وجاء حديثه تعليقا على تصريح للسفارة الأميركية في آستانة، أشارت فيه إلى أنه «رغم ترحيبنا بأي خفض حقيقي للعنف في سوريا، يبقى تركيزنا منصبا على جنيف والتقدم الهام لمفاوضاتها».
إلى ذلك، أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، أن عملية «آستانة قائمة وستستمر»، مؤكدا أن نتائج الجولة التاسعة كانت إيجابية.
وأشاد بنتائج الجولة ووصفها بأنها «إيجابية، وتسهم في تقدم عملية آستانة، وبالتالي، الشائعات التي انتشرت من قبل وسائل الإعلام، بشكل رئيسي من قبل وسائل الإعلام الغربية، بخصوص زوال عملية آستانة، أؤكد أنه مبالغ بها إلى حد كبير».
ولفت إلى النقاشات حول مناطق خفض التصعيد مشيرا إلى أنه «فيما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد في إدلب نحن نعول على جهود شركائنا الأتراك الذين أخذوا على عاتقهم تأمين الاستقرار والأهم وقف الأعمال الاستفزازية بين المعارضة والقوات الحكومية».
وأعرب رئيس وفد النظام بشار الجعفري عن الارتياح لنتائج الجولة التاسعة، وشدد على أن «سوريا ستواصل مكافحة الإرهاب وتحرير كل شبر من أراضيها سواء من الإرهاب أو من كل معتد عليها»، لافتا إلى أن «الإنجاز الذي حققه الجيش العربي السوري بتحرير الغوطة الشرقية من الإرهاب جعل دمشق ومحيطها آمنين».
وشارك وفد عن النظام السوري في اللقاء الذي استمر يومين وهو الأول للدول الثلاث التي تدعم أطرافا مختلفة في النزاع السوري منذ التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل في سوريا الأسبوع الماضي. ومنذ بدأت المفاوضات بشأن سوريا في آستانة مطلع 2017، تركزت في معظمها على محاولات تخفيف حدة المعارك بين قوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران وفصائل المعارضة.
وأفضت اللقاءات السابقة إلى إنشاء أربع مناطق لخفض التوتر في سوريا أتاحت خفض حدة المعارك، لكنها لم تتح تحقيق تقدم ملموس على المسار السياسي.
(رائد جبر)