فجأة ومن دون سابق إنذار، أنهى سمير جعجع قطيعة تسعة أشهر مع الرئيس سعد الحريري وزاره ليل أمس في بيت الوسط ليؤكد بعد اللقاء أن ″ما يجمع القوات والمستقبل أكثر مما يفرقهما″.
لا تحتاج الزيارة المفاجئة الى كثير من الاجتهادات، فرئيس حزب القوات اللبنانية لا يريد أن يكون خارج الحكم، وهو يتطلع اليوم الى إستثمار إنتصاره في الانتخابات النيابية ومضاعفة عدد نوابه من 8 الى 16 نائبا وترجمته في الحكومة المقبلة، خصوصا أن وجود القوات في المعارضة أمر لم يعد مجديا أو مربحا، فالانتخابات إنتهت والخطاب الشعبوي لم يعد ينفع، وقد حان وقت المشاركة بعدد وازن من الوزراء في الحكومة التي يرى كثيرون أنها ستشكل الانطلاقة الرسمية لعهد الرئيس ميشال عون.
يدرك جعجع أن طبخة الحكومة قد وضعت على النار، بدءا من حراك رئيس التيار الوطني الحر النائب المنتخب جبران باسيل ومحاولاته الرامية الى إحراج القوات لاخراجها من الحكومة ودفعها الى جبهة المعارضة، وصولا الى لقاء الرئيس ميشال عون مع الرئيس نبيه بري في قصر بعبدا أمس، مرورا باللقاءات اليومية التي يعقدها الحريري الذي يتصرف على أساس أن تكليفه بتشكيل الحكومة بات أمرا محسوما، لذلك فإن جعجع الذي لا يريد أن يخرج من ″المولد بلا حمص″ سارع الى وضع تصوراته ومطالبه في عهدة الحريري، خصوصا أن القوات نجحت في الحكومة الحالية في تحسين صورتها من خلال حضور وزرائها الذين يتوافق الجميع على أن آدائهم كان أكثر من جيد.
يدرك جعجع أيضا، بأنه يتعاطى مع الحريري بمنطق قوة، إنطلاقا من الدعم السعودي المطلق الذي يحظى به، حيث يشير مطلعون الى إمكانية أن تكون السعودية طلبت من رئيس القوات زيارة الحريري وذلك في مبادرة إيجابية، ردا على الخطوات الاصلاحية المطلوبة سعوديا والتي قام بها زعيم المستقبل ضمن تياره بعد الانتخابات، وأبرزها إستقالة مدير مكتبه نادر الحريري الذي كان طيلة الفترة الماضية يشكل مع جبران باسيل ثنائيا سياسيا يعملان على تنسيق كل خطوات الحكم والحكومة، في حين يرى آخرون أن جعجع جاء يستقوي على الحريري بالدعم السعودي لتحقيق مطالبه في الحكومة.
لا يختلف إثنان على أن جعجع يتعرض لضغط كبير، فهو من جهة يواجه حرب إلغاء أو إقصاء من جبران باسيل، ومن جهة ثانية يريد إستثمار إنتصاره الكبير في الانتخابات ليترجم قوته المسيحية في الحكومة، لكن وبحسب مطلعين فإن أزمة جعجع ـ باسيل لا يملك الحريري مفتاح حلها، خصوصا أنه غير قادر على الخروج من تحالفه مع الرئيس ميشال عون، وكذلك مع النائب المنتخب جبران باسيل، كما لا يستطيع أن يخرج من التسوية التي يُعتبر حزب الله ركنا أساسيا فيها، لأن ذلك قد يكلفه غاليا جدا، وصولا الى عدم تسميته رئيسا للحكومة المقبلة. لذلك فإن زيارة جعجع وإن عبرت في الشكل عن بوادر رضى سعودي على الحريري بالدرجة الأولى، وعن عودة المياه الى مجاريها بين القوات والمستقبل ثانيا، إلا أنها ضاعفت من حجم الضغوط على الحريري الذي وجد نفسه بين نارين، نار إلتزامه الكامل مع جبران باسيل، ونار تلبية مطلب جعجع مدعوما من السعودية بتمثيل القوات بكتلة وزارية وازنة في الحكومة قد تواجه برفض قاطع من باسيل.