الخلاف حول العلاقة مع النظام السوري خلاف قديم بين اللبنانيين يعود بأدراجه إلى سنين نشأة الكيان وفصل وانفصال لبنان عن سورية ولكن لم يتمكن أحد من فطم لبنان عن الرضاعة السورية فبقي لبنانيون متعلقون بمحالب النظام رغم ما مرّ به اللبنانيون من إنقسامات وويلات وحروب مع وضدّ النظام السوري.
قبل دخول سورية الى لبنان وبعده وبعد الخروج منه بقرار أميركي بقي اللبنانيون على اختلافهم وعلى خلافهم من النظام السوري وزاد من حدّة العلاقة مع النظام السوري الثورة السورية ومن ثمّ الحرب الدائرة والتي جعلت اللبنانيين اكثر انحيازاً إمّا للنظام وإمّا ضدّه الى أن جاءت خيبات الأمل جرّاء الموقف الأميركي من إبقاء الأسد في الغاب السوري فطرح المخالفون للنظام السوري سياسة النأي بالنفس للمحافظة على استقرار لبنان وعدم دخوله في فوضى الحروب القائمة فوافق اللبنانيون على هذه السياسة رغم بقاء فريق شريك أساسي في الحرب السورية و بتأييد كامل من أكثر الفئات الشعبية ومن أكثر تيارات السلطة التي غطّت مشاركة الحزب في الحرب السورية سواء بالمواقف الحزبية أو بالمواقف الرسمية.
إقرأ أيضًا: الصدر يقتدي ببري وموسى الصدر فينتصر
اعتبر الخروج السوري من لبنان نصراً للمتضررين من الوجود و الوصاية السورية وبداية لتحرير لبنان من الارادة السورية الاّ أن السوريين استمروا في السلطة من خلال الأحزاب التابعة والمتحالفة مع النظام السوري وقد تعاطت ثورة الأرز آنذاك وبعيد الخروج السوري مع حلفاء النظام في غباء مشهور لجهابذة 14 آذار وهذا ما جاء بأتباع النظام الى المجلس النيابي من خلال الحلف الرباعي ومن ثمّ أدّى هذا الحلف الى توزير أتباع لنظام الأسد.
وهكذا استمر النظام حيّاً في السياسة اللبنانية من خلال دوره المباشر في المجلس النيابي بوجود نوّاب مؤيدين للنظام وفي الحكومة من خلال توزير وزراء محسوبين على سورية وقد جاءت الانتحابات النيابية بنتائج سورية لتعيد حلفاء النظام السوري مجدداً الى مواقعهم في المجلس النيابي وبالتالي الى مواقعهم في المجلس الوزاري بعد أن أكدّ فريق لبناني دور وحماية الوجود السوري في لبنان في حين أكدّ فريق لبناني آخر عجزه عن مواجهة الدور والحضور السوري القوي في لبنان نتيجة خلل وضع القوّة في فريق متمسك بسورية الأسد والضعف في جهة مفككة لا حول لها ولا قوّة بعد أن خسرت أكثر معاركها الداخلية في لبنان عندما كانت معارضة، وهي في السلطة.
إقرأ أيضًا: ما في مسؤول إلاّ وأكل كف من بري
يأتي تيّار المستقبل على رأس الفريق الخاسر في حساباته السورية فثورة الأرز والتي جعلت منه حزباً يقود أكثر اللبنانيين قد أجهضها ومزّق فريق 14 آذار وعاد مستسلماً لفريق 8آذار وها هو اليوم أسير الشروط السورية ويرضخ للتعامل مع متهمين بقتل واغتيال مؤسسه وليس من المستبعد سكوته عن توزير من هم امتداداً لنظام الأسد وهذا ما سيكرس ضرورة التعاطي مع النظام وهذا ما سيدفع بلبنان الى سورية طالما أن المؤيدين للنظام باتوا في صلب السلطة وعادوا من جديد اليها بعد أن أخفق المعارضون للنظام من كبح جماح المتعلقين به.
هكذا كان لبنان منذ تأسيسه منقسماً حول العلاقة مع سورية وهكذا استمر وسيبقى مستمراً على نفس السياسة ولكن أتباع و حلفاء سورية كانوا على الدوام أنجح من المعارضين للنظام وهذا ما كرّس سلطة فيها على الدوام حصّة للأسد حتى في الظروف التي يكون فيها لبنان من نصيب المعارضين للنظام السوري.
يبدو أن الاستسلام لسورية الأسد هو حال المعارضين للنظام لذا سنشهد عودة غير ميمونة للسياسات السورية وهذا ما سيدفع بدول الخليج الى إخراج أموالهم من لبنان ورفض أيّ مساعدة له وترك الساحة اللبنانية لمن اختار الخيار الايراني و السوري ولم يستطع المحافظة على الدور العربي لأسباب تبدأ بطيش وغباء تيارات كانت أكثرية وباتت أقل من أقلية نيابية و شعبية.