«خمسون/خمسون، عشرون/عشرون» هو الشعار الذي اختار دعاة المساواة بين الجنسين في مهرجان «كان» السينمائي، وضْعَه في مقدمة بيان أصدروه في هذا المعنى وبدأوا يجمعون التواقيع عليه. ينطلق البيان، كما يمكننا أن نفهم، من حكاية التحرش الجنسي التي لا تزال تقيم الدنيا ولا تقعدها منذ قرابة العام وتطيح رؤوساً سينمائية كبيرة، لتصل إلى ما يعتبره البيان الظلم المحيق بالمرأة أدواراً وحضوراً وإمكانية تحقيق أفلام في المناخ الراهن للسينما العالمية.
منذ أيام المهرجان الأولى، إذاً، يعلو الصراخ وتطالب المرأة السينمائية بحقها. فماذا عن المرأة السينمائية العربية؟ إذا حكمنا على الأمور من خلال الأفلام العربية الخمسة المعروضة في تظاهراتٍ «كانيّة» متنوعة هذا العام، قد نجد أن السينما العربية حققت ما ينادي به البيان... وأكثر: ثلاثة أفلام من بين الخمسة من إخراج نساء! بيد أن الأمر لا يقتصر على هذا الواقع الذي قد يكون منطقياً أن نشير إلى أنه خادع، ولا يعكس حقيقة ما يحدث في عالم السينما العربية في شكل عام. ومع هذا، يمكننا أن نبقي حديثنا في مدار دورة هذا العام وأخبارها، حيث يمكن أن نعلن شيئاً من الرضى الذاتي في ما يخص حصة السينمائيات العربيات.
ولنبدأ من جوائز النقاد للأفلام العربية التي أُعلنت في «كان»: أربع من الجوائز الخمس فازت بها أفلام من إنجاز سينمائيتيْن عربيتيْن، ثلاثٌ لفيلم الفلسطينية آن ماري جاسر «واجب»، وواحدة لفيلم التونسية كوثر بن هنية «على كف عفريت». أما الجائزة الخامسة، فلفيلم «ملف 23» لزياد دويري الذي من فضائله أنه يعطي أجمل الأدوار وأقواها لنساء، كاشفاً عن.... حماقة الرجال!
ومع إعلان شركة «صوني بيكتشر» العالمية شراءها حقوق عروض فيلم نادين لبكي، الذي ينتظر كثيرون عروضه آخر أيام المهرجان على أحر من الجمر، في كندا والولايات المتحدة الجنوبية وأميركا اللاتينية، يشاهد الجمهور بكثير من التعاطف، حتى إن لم يكن بكثير من الإعجاب، الفيلم الأول للسورية الشابة غايا جيجي «قماشي المفضل» المتباري على جائزة «نظرة ما»، من دون كبير أمل بالفوز على أي حال، وفيلم المغربية مريم بن مبارك «صوفيا» المعروض في التظاهرة نفسها والمتباري على الجائزة نفسها. ولئن كان فيلم لبكي يعطي الكلام السينمائي لفتى في الثانية عشرة، فإن فيلمَيْ جيجي وبن مبارك يقدّمان رؤيتيْن لقضية المرأة العربية تتلاقيان مع المطالبة المتجدّدة بأن تحمل السينما هذه القضية.
وفي حصة العرب من التحكيم ثمة قسمة عادلة أيضاً. فالفلسطينية آن ماري جاسر عضو في إحدى اللجان الثانوية إسوة باللبناني خليل جريج العضو في لجنة أخرى، والنتيجة هنا «فيفتي/فيفتي»!
وفي النهاية، وكنوع من التتويج غير المتوقع، ها هي نقطة المباراة تأتي... من السعودية. ففي وقت تعتبر فيه إحدى الإثارات الأكثر لفتاً للنظر، تلك التي يمثلها الدخول السعودي على خط السينما العربية (وربما العالمية أيضاً... لمَ لا؟)، من خلال الحضور السعودي الرسمي للمرة الأولى تاريخياً في المهرجان - من دون أن ننسى مشاركة عبدالله المحيسن قبل أكثر من عشر سنوات بمبادرة فردية بعرض فيلمه «ظلال الصمت»، لكن هذه حكاية أخرى -، ها هي المخرجة السعودية هيفاء المنصور (صاحبة «وجدة» الروائي الطويل الأول الذي صُوِّر في السعودية يوم لم يكن هذا التصوير متاحاً)، تشغل الصحافة في المهرجان من خلال إعلانها ذي الدلالة القصوى، عن أن فيلمها المقبل الذي ستبدأ تصويره بداية الخريف المقبل داخل السعودية أيضاً، ولكن هذه المرة من دون أي خرق للقانون!، سيكون أول فيلم يدعمه المجلس السعودي للسينما المؤسس حديثاً، ليتولى تأسيس نهضة سينمائية في هذا البلد. بقي أن نذكر أن الفيلم سيتحدث، ضمن إطار كوميدي اجتماعي، عن معاناة طبيبة تقرر خوض الانتخابات البلدية في مدينتها، فتجد نفسها في صراع اجتماعي مع أهل (وبيئة) يحاولون ثنيها عن ذلك ساخرين منها ومن تطلعاتها.