يفترض الشاعر أن فلسطين باقية. وأن إسرائيل لا.
هو يفترض أن فلسطين حقّ، وأن إسرائيل باطل.
هو يفترض أن الأولى، أي فلسطين، تستمدّ وجودها من دوران الأرض حول الشمس، بمسيحها، بجبل زيتونها، بمعراجها، بقدسها، وبمواسم أطفالها الذاهبين إلى ملاقاة الحرية.
هو يفترض أن الثانية، أي إسرائيل، ليست باقية، لأنها تزعم دوران الشمس حول الأرض المغتصَبة، بقوة القتل والبغض والعنصرية، وليس بمنطق الروح وإيقاع العشب وسهر الكواكب وفكرة الغيوم عن ذاتها.
هو يفترض أن التاريخ ليس له أن يخون كتبه.
وهو يفترض بالمنطق الشعري نفسه أن ليس للاستبداد أن يبتدع أوجاعاً ملفقة، أو حقائق مريضة ومفتعلة.
كأنْ يطرد شعباً من أرضه، لأن التسويات تقتضي تخريب البياض الذي ينجزه الحلم في أوان الفجر.
يفترض الشاعر أن إسرائيل كلما أمعنتْ في القتل، حفرتْ شبراً جديداً لترتيب ضريحها الموعود.
يفترض الشاعر أن لا وعود في فلسطين لأحد، لسوى حرية شعبها في التنعّم بالوجود، ولرغبة أطفالها في اجتراح الرحيق للهواء والغيوم.
عبثاً، تحصي إسرائيل القتلى من الجانب الفلسطيني.
عبثاً ترفع جدراناً للحماية.
عبثاً تصطنع عاصمةً لها في القدس.
عبثاً يأتيها المريض الأميركي بعيادته المدجّجة بسفارة الصلف والعنجهية.
عبثاً يهزأ القاتل بالقتيل.
عبثاً يتبرأ قايين من جريمته، لكي لا تلاحقه عين هابيل.
عبثاً تؤجّل الأمم منح الحقّ لأصحابه.
عبثاً تمنع الفلسطيني من زراعة القمح وغرس شتول التمرد والزيتون في الوعر الفلسطيني.
عبثاً كلّ ارتكابٍ. عبثاً كلّ تخريب. عبثاً كلّ دمار. وعبثاً مصادرة الأرض من أصحابها.
فمن الأرض المغتصَبة نفسها، سينبت العشب مخصَّباً بالحرية.
ومن هذه الأرض المغتصَبة نفسها، سيولد الرجال الذين يجرفون منازل الحقد والثأر والعنصرية.
ومن هذه الأرض المغتصَبة نفسها، سيذهب الأطفال إلى الكتب والمدارس ليتعلّموا اللغة والأشعار، وصناعة الوقوف في العاصفة.
ومن هذه الأرض المغتصَبة نفسها، سيولد مسيحٌ كلّ يوم، ليعلّم الأمم أن القاتل لن ينتصر، وأن هابيل القتيل لا يموت.
ومن هذه الأرض المغتصَبة، سيولد كلّ مسيحٍ ثائر، ليقول للفريسيين وتجّار الهيكل إن فلسطين باقية، لأنها حقّ، وإن إسرائيل لا، لأنها باطل.
هكذا، كما في أوّل الكلام، كذا في آخره، يفترض الشاعر أن الهواء السخيّ النبيل، مثل المسيح، سيهبّ بعد قليل، من ينابيع اللغة والحلم، ليبلسم أحلام القتلى، والعيون الباحثة عن الحبّ والحقّ والحرية.
وسيفترض أن فلسطين الحقّ باقية، وأن إسرائيل الاغتصاب لا.