آستانة – 9، لن تصيغ حلاً سياسياً وسلمياً في سوريا، سواء حضرت الولايات المتحدة الأميركية وراقبت أعماله أو تغيّبت. الحل أصبح معروفاً، يكون أميركياً – روسياً أو لا يكون. موسكو تبلّغت مباشرة، قبل التعقيدات العسكرية والسياسية الأخيرة، من واشنطن أن التفاهم الثنائي هو الحل. محاولة موسكو الانفراد بالحل سواء كان عسكرياً أو سياسياً، لن يمر. عليها أن تستوعب بوضوح شديد أنّ واشنطن موجودة ولن تقدّم «هدايا» لأحد، لذلك لا داعي للالتفاف على نقطة البداية التي أصبحت معروفة أين تقع وكيف يتم الانطلاق منها نحو خط النهاية الذي أصبح معروفاً أيضاً أين يقع وكيف يتم الوصول إليه والذي يتضمن بنود الحل.
واشنطن تريد وتعمل على تطويق الدور الإيراني في سوريا. يقع هذا التوجّه ضمن استراتيجية أميركية، تقضي بتطويق إيران، من دون الدخول في مواجهة مفتوحة ومكشوفة معها. كما يبدو أن «الخيار السوفياتي» أصبح هو الاختيار المباشر، لضبط النفوذ الإيراني ودوزنته على وقع الخيارات الأميركية. تريد واشنطن وتعمل لبناء «الخيار السوفياتي»، على أساس «أفغنة» الموقف الإيراني في سوريا، فكما أضعفت أفغانستان الاتحاد السوفياتي وجعلته يترنّح، كذلك يجب أن تُضعف سوريا الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد أن تجاوزت خطوطاً حمراء عديدة.
هذا الموقف الأميركي، لا يسيء إلى روسيا ولا يزعجها. بالعكس يصب في «طاحونة» موسكو، وفي الوقت نفسه، يريح إسرائيل كثيراً. بالنسبة لواشنطن وتل أبيب: «إيران تعمل على تحقيق هيمنة إقليمية تحت مظلّة نووية مستقبلاً». لذلك يتوحد الموقفان الأميركي والإسرائيلي تحت أنظار موسكو وصمتها الإيجابي منهما. إسرائيل تستثمر ذلك بقوّة على قاعدة «حرية العمل» الكاملة. لا يوجد تأكيد لهذه «الحرية» أكثر من نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاحتفال به في هذا اليوم بالذات، وبـ«القتل الحر» للمتظاهرين الفلسطينيين الذين لا يملكون غير صدورهم العارية.
بعيداً عن البيانات العسكرية السورية والإسرائيلية، لا شك أنّ الضربة الجويّة والصاروخية الإسرائيلية كانت كبيرة ومؤثّرة. والردّ السوري (رغم أنّه الأول من نوعه) بعد تحييد إيران نفسها إعلامياً، كان محدوداً ومدروساً. انحصر الرد في الجولان الذي لا يزال يُعتبر دولياً وشرعياً أرضاً سورية. لم يتجاوز الرد الجولان إلى أراضي فلسطين المحتلة والمُغتصبَة.
التعامل مع تصريحات «الحرس الثوري» وبعض القيادات الدينية الإيرانية، وكأنها جدية وقابلة للتنفيذ تضع المنطقة كلها في قلب حرب مدمّرة. في الواقع لا إسرائيل تريد الحرب ولا إيران تسعى إليها. كل ما يحصل حتى الآن تبادل «رسائل صارمة» من دون الانزلاق نحو الحرب الشاملة. لكن هذا لا يمنع من أن إسرائيل وإيران «تقفان على سلاحهما». مثل هذا الموقف يتطلب «إدارة حكيمة» من الطرفين حتى لا ينتج أي تصعيد للحرب.
الموقف الإيراني الهادئ عملياً والمدروس، من المجزرة الفلسطينية في غزة يؤكد «الخشية وربما الخوف الإيراني» من المواجهة العسكرية. تكتفي طهران حالياً بتصعيد خطابي، لا ينتج أي احتكاك مباشر ويبقى محصوراً بـ«طاحونة» الدماء الفلسطينية التي مهما تصاعدت تبقى كلفتها فلسطينية.
أما بالنسبة لسوريا والأسد، فإن بنيامين نتنياهو كان صريحاً جداً. إذ كشف أنه وجّه «رسالة» إلى الأسد تؤكد على أنّ الضربة الجوية كانت ضد «أهداف إيرانية في سوريا، وليست ضدّك ولا ضدّ سوريا. لكن إذا تحرّكْتَ ضد إسرائيل فإننا سنضربك». بهذا يتأكد أن الضربات الإسرائيلية المسلسلة ضد إيران في سوريا مُستمرة وربما تتصاعد حتى تفقد إيران «أعصابها» وتدخل في مواجهة مكشوفة، أو كما ترغب واشنطن ينعكس التراجع وذُل الجمود العسكري على الداخل الإيراني، فيقع الشرخ الذي يحدث الخلل المطلوب. ولا شك أنّ واشنطن تتشجّع كثيراً في متابعة عملية الضغط هذه، بعد نجاح التجربة الكورية الشمالية من جهة، وبعد تبادل الاتهامات داخل النظام حول المسؤولية بعد إلغاء الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي. وتبدو إدانة «مجلس الخبراء» للرئيس حسن روحاني، وتبرئة المرشد خامنئي من مسؤولية الموافقة على الاتفاق خطوة إضافية على طريق «الزلزال الكبير». علماً أن روحاني لم يفاوض لولا موافقة المرشد ومتابعته لمجريات التفاوض.
يبقى بعد ذلك: ماذا عن «حزب الله»، إلى أي حدّ يبدو مستعداً للانخراط في المواجهة مع إسرائيل؟
لا شك أن «حزب الله» اليوم غير «حزب الله» في العام 2006. لن يقوم بعملية ثم يندم عليها لأنها فتحت عليه حرباً مدمّرة، ولا شك أنها ستكون هذه المرّة أكثر تدميراً. الحزب كان بحاجة لمراكمة الحضور لينال شرعية المشاركة الكاملة وصولاً إلى درجة امتلاك القرار المعطّل. أما الآن فإنه نضج وأصبح موجوداً داخل النظام ومُعترَفاً بشرعيّة هذا الوجود الكبير. لذلك لن يُعرّض نفسه لمخاطر تحمل في طياتها خسائر ضخمة له ولجمهوره وللبنان، من دون أي ضمانة للمستقبل. ما يدعم هذا الموقف أنّ الحزب يعرف حدود الدعم الإيراني غير الصاروخي، وغياب الدعم العربي الذي تلقاه عام 2006 إلى جانب تعمّق الرفض إن لم يكن الكراهية له داخل المجتمع اللبناني.
الحزب يدرك هذا الواقع ولن يندفع نحو الحرب إلا إذا هاجمتهُ إسرائيل ليصبح الانخراط فيها من نوع «لا حول ولا قوّة إلا بالله». ولكن ماذا لو جاء الأمر من المرشد آية الله علي خامنئي خصوصاً أن دمار بيروت ليس أسوأ ولا أخطر من دمار سوريا والعراق واليمن؟