من المفترض أن تعقد الثلاثاء المقبل جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، بالإضافة إلى أعضاء هيئة مكتب المجلس. مسألة الرئاسة محسومة، لا بديل من نبيه بري. وحده التيار الوطني الحر قد لا يصوت له، ليس بسبب الخلافات السياسية الأخيرة فحسب، بل لأنه كان ضد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. وسيحاول التيار الردّ على جلسة انتخاب الرئيس وما اعتراها من مماطلة في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. ومن المفترض بعد إنجاز هذه الخطوات أن يبدأ رئيس الجمهورية الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس بتشكيل الحكومة.
وإذا كانت جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس سهلة التحقيق، فإن عملية تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها لن تكون كذلك. حتى الآن، لم يضمن الرئيس سعد الحريري الأصوات اللازمة لتكليفه تشكيل الحكومة. من حيث الأرقام، يقف الحريري بين منزلتين، فإذا أراد الذهاب إلى محور مواجهة حزب الله، أي إلى جانب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وبعض الشخصيات الأخرى، فهذا يعني أنه لن يستطيع تحصيل أكثر من 50 نائباً. وهؤلاء لن يمنحوه لقب دولة الرئيس المكلف. وإذا أصر الحريري على علاقة التوأمة مع التيار والاستمرار بالثنائية التي أرادا تكريسها معاً، فهذا أيضاً لن يؤمن له أصواتاً تعيده إلى السراي.
يبقى هذا الكلام في الإطار النظري العام، ولجهة توزع حصص الكتل النيابية، بحيث أظهرت نتائج الانتخابات رجحاناً لكفة حزب الله، الذي في ظل تحالفه مع التيار، وتحالفاته الأخرى، يكون قد حصد 78 نائباً من أصل 128. وهذا رقم كبير جداً. وهو يحتاج إلى 8 نواب آخرين لبلوغ الثلثين. وهذا ما يجبر الحريري على السير بين النقاط، ودوزنة علاقاته مع كل الأفرقاء، لاسيما الذين وضع نفسه في مواجهة معهم، لا سيما الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط، الذي وفق هذه الحسابات قادر على لعب دور بيضة القبان.
لا دور في لبنان للعبة العددية. فمعروف أنه لا يسمى رئيس حكومة في ظل الوضع الحالي، من دون حصول توافق إقليمي على اسمه، ومن دون موافقة حزب الله على تكليفه، رغم أن حزب الله لا يمنح أصواته للحريري، إلا أنه يؤمن له النجاح من خلال أصوات حلفائه. وهذا يعني أن المسار الأساسي سيبدأ من نواح أخرى، أساسها الدخول في مفاوضات سياسية جدية لحسم آلية تشكيل الحكومة. وهذه قد بدأت بالزيارة التي أجراها الحريري إلى بعبدا، ثم إلى عين التينة. على أن تستكمل في الساعات المقبلة، مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة.
بين حركة أمل وحزب الله، توافق تام على إدارة المرحلة المقبلة، وعلى تحديد الشروط اللازمة لتشكيل الحكومة. وهذه المرة سيكون الحزب مقرراً أساسياً ومشاركاً في مفاوضات تشكيل الحكومة، وليس على غرار المرة السابقة التي أوكل فيها كامل تفاصيل المهمة إلى بري الذي سيتولى مسألة التفاوض مع الحريري وجنبلاط. والأهم سيبقى متوقفاً على لقاء أساسي ومرتقب بين حزب الله ورئيس الجمهورية، أو بين الحزب والتيار الوطني الحر، لرسم معالم المرحلة المقبلة. والبناء على ما حملته نتائج الانتخابات.
لكن ما لا يمكن إغفاله هو إمكانية إطالة أمد تشكيل الحكومة، أولاً بسبب التطورات الإقليمية والتصعيد المرتقب، وثانياً ارتباطاً بما سيتخذه الحريري من إجراءات في تياره، التي تشمل شخصيات نظّرت وسوّقت للتسوية الرئاسية. بالتالي، فإن هذه الإجراءات سترسم معالم جديدة، لإعادة صوغ التسوية على قواعد غير التي بنيت عليها. لكن هذا الأمر لن ينسجم مع نتائج الانتخابات التي يعتبرها حزب الله انتصاراً كبيراً حققه، ولا يمكن المرور فوقها. وهذه بالتأكيد ستستوجب تنازلات حريرية كبيرة، للعودة إلى السراي.
في المقابل، هناك من يعترض على فكرة تقديم التنازلات، مشيراً إلى أن المستقبل سيتشدد أكثر في السياسية في الأيام المقبلة، لا سيما لناحية البيان الوزاري. وهذه ستكون إحدى انعكاسات غياب نادر الحريري عن الواجهة، والذي بحسب ما تشير المصادر كان قد تقدّم استقالته مرتين قبل أشهر، وآخرها لدى زيارة الموفد السعودي نزار العلولا إلى لبنان، بحيث قيل حينها إن السعودية طلبت عدم حضور نادر الحريري الاجتماع، إلا أن سعد الحريري رفض الاستقالة، واتخذ قراراً بتحييد الرجل، بعدما استشعر الرجلان أنهما أصبحا عبئاً على بعضهما البعض في المسارات السياسية. وهناك من يشبّه إبعاد نادر الحريري حالياً، كما تمّ إبعاد الوزير نهاد المشنوق سابقاً عن الرئيس رفيق الحريري.
في المقابل، هناك عقبات كثيرة قد توضع أمام تشكيل الحكومة، أبرزها ما يستشرفه الرئيس بري من مؤامرة يتعرّض لها، والتي يحاول من خلالها بعض الأطراف، لا سيما التيار، العمل على تحديد أسماء شيعية محسوبة على بري ولكنها مقبولة منهم لتولي وزارة المال. هذا الأمر استشرفه بري، معلناً تمسكه بالوزير علي حسن خليل لهذا المنصب. فيما العقبة الأخرى تكمن في كيفية توزيع الحصص داخل الحكومة، في ظل توّجه لدى بعبدا بشأن تشكيل حكومة أكثرية، مقابل ترك الأفرقاء المعترضين على أداء الحكومة والتفاهمات السياسية خارج التركيبة الحكومية.