بمعزل عن ردّات الفعل المتناقضة التي تركتها قرارات الحريري الأخيرة والتي تراوحت بين «الشماتة» وتلك التي «احترمتها» على خلفياتها الحزبية والنظامية في اعتبارها استندت الى مواد في النظام العام لتيار «المستقبل» لم تُستخدَم سابقاً إلّا إستثنائياً وفي حالات محدودة.
ولما سعت فئة أخرى الى استكشاف الظروف والأسباب التي أدّت اليها وجدوا جواباً سريعاً وشفافاً في تغريدته الليلية التي أدرج فيها قراراته في إطار «المحاسبة» التي كان لا بدّ منها.
وتوقفت مراجع معنيّة عند قرار قبول الحريري استقالة مدير مكتبه وابن عمته نادر الحريري، فدعت الى التريّث وعدم الذهاب بعيداً في تحليل أسباب ما حصل ووضعه في إطار «الضغوط السعودية» التي مورست على الحريري.
بدليل أنّ ما رسمه نادر من تحالفات مع «التيار الوطني الحر»، وتحديداً مع رئيسه الوزير جبران باسيل لم يكن من بنات أفكاره فحسب، ولم يتفرّد في قراراته التي أنتجت تحوّلاتٍ ما زالت قائمة في تحالفات الحريري التي تُرجمت في بعض الدوائر الإنتخابية وقد تذهب بعيداً في المرحلة المقبلة في اتّجاه ما يكرّسها نهجاً أنهى ما كان قد تبقى من قوى 14 آذار على كل المستويات السياسية والحزبية والوطنية.
ولا يخفي مسؤولو تيار «المستقبل» عند مقاربتهم هذا الملف اعتقادَهم أنّ قيادة التيار والحريري الذي يتقدّم مسؤوليه وقياديّيه قد ذهبوا أبعد ممّا رسمه مدير مكتبه قبلاً لترسيخ المفاهيم في العلاقات الجديدة للتيار، والى حدود يعتبر فيها المطّلعون على كثير من الحقائق أنّ بقاءَ نادر الحريري في موقعه مديراً لمكتب ابن خاله أو تركه لن يؤثر على ما جرى بناؤه الى الآن بين التيارَين الأزرق والبرتقالي، وهو ما يعفي الحريري المستقيل من تحميله مسؤولية ما تحقق، سعودياً أو خليجياً وكان بالأحرى أن يحاسَب الحريري الرئيس وكبار مساعديه الذين تبنّوا التوجّهَ الجديد ولا تقف الأمور عند غياب نادر لوحده.
ويضيف المسؤولون أنفسُهم أنّ على مَن فوجئوا باستقالة نادر الحريري أن يسألوا أنفسَهم عن الدور الذي افتقده في التحالفات الإنتخابية الأخيرة. ألم يشعر كثيرون بغيابه عن النشاط الذي قاد الى بعض التحالفات وبروز أدوار لشخصيات أخرى؟ ألم يرصدوا حراكَ موفدين آخرين يتقدّمهم وزير الثقافة غطاس خوري ما بين معراب والمختارة ولقاءاته مع مهندس تحالفات «القوات اللبنانية» وزير الإعلام ملحم رياشي وباسيل من وقتٍ لآخر؟
والى أن تتبيّن أسبابُ استقالة نادر الحريري التي قد تكون لها وجوه واسباب أخرى، لا تحتمل القرارات التي اتُّخذت بحقّ مسؤولي الماكينة الإنتخابية «المستقبَلية» كثيراً من التفسيرات.
فقد جاءت نتائج الانتخابات في عدد من الدوائر والمنسّقيات مخيّبةً وبعيدةً كل البعد عن التقديرات التي أعطاها مسؤولو الماكينات المعنيّون بحركة الأرض وجمهور التيار في أكثر من منطقة ولو بنسب مختلفة، سواءٌ في الكورة أو زغرتا أو البترون، كما في زحلة والبقاع الغربي، وهو ما سبّب صدمة كبيرة جعلت كثيرين يقلقون على ذهاب ما بُذل من جهودٍ هباءً، سواءٌ في طرابلس أو بيروت الثانية والبقاع الغربي والجنوب باستثناء صيدا وجزين حيث كانت الحملة في عهدة قيادتها المحلّية وتلك التي تعاون النائب بهية الحريري في معركتها الانتخابية.
وعليه، وفي انتظار مزيد من القرارات التي يمكن صدورُها بعد انتهاء «الجوجلة» التي تجريها القيادة المركزية لـ«المستقبل» في أرقام بعض الدوائر، وكذلك على مستوى الحسابات المالية بحثاً عن ضياع المخصّصات التي لم تصل الى مستحقيها في عدد من الدوائر الانتخابية، ستتكشّف حقائقَ إضافية ولربما دفع آخرون ثمناً لها.
ولا يتجاهل المراقبون أنّ الصورة الجديدة التي عبّر عنها السلوك الحزبي للحريري، قد تُستنسخ بما فيها من تحوّلاتٍ كبرى على صورة «رئيس للحكومة» المتوقّع تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.
وأيّاً كانت التفسيرات المعطاة لصورة «الحريري الجديد» في «بيت الوسط» أو في السراي الحكومي، يُطرح السؤال عن حجم المتغيّرات المتوقّعة عند ممارسته العمل الحكومي بدءاً من جلسة مجلس الوزراء غداً التي سيُفتح فيها ملف الكهرباء وسط توقّعات بموقفٍ متشدّد من الملف يقترب فيه من موقف رئيس الجمهورية إن لم يتجاوزه حدّةً، وهو الداعي الى تجاوز كل المواقف الأخيرة، وتحديداً مواقف المجموعات الوزراية المناهضة لبعض مقترحات وزير الطاقة، بغية توفير الكهرباء بواسطة البواخر أو من دونها، عن طريق شراء الطاقة من سوريا أو عن طريق إحياء معمل ديرعمار وتجاوز المعوقات التي منعت من أن يكون في الخدمة أيّاً كانت النتائج المترتّبة عليها.
ولذلك كله سيظهر قريباً أنّ الحريري قد ذهب بعيداً في كل ما أراده من تحوّلاتٍ في مواقفه الحزبية والسياسية والوطنية الى «حيث لا يجرؤ الآخرون» في انتظار الكلفة المقدّرة للتوجّه الجديد على كل المستويات.