لم يكن الحريري ليرفع سيف التطهير في تياره لولا شعوره بألم الخسارة السياسية التي تعرّض لها، وبحجم الضعف الذي تعاني منه الهيكلية التنظيمية الزرقاء، التي لم تكن في يوم من الأيام “فلتة عصرها” لكن الشعبية الزائدة للحريري والشعار السياسي الذي كان يجتاح المناطق ويدفع الناخبين الى التصويت لمرشحي المستقبل كان يخفي كثيرا من عيوبها التي إنكشفت عند أول إستحقاق جدي فبدت مكامن الضعف فيها، لا سيما على صعيد إقناع الناخبين في المشاركة بالانتخابات لزيادة الحاصل، فضلا عن ضعف المكننة العائدة للماكينة الانتخابية.
حاول الحريري إخفاء خسارته بمهرجان النصر وببعض الزيارات والتصريحات والمواقف السياسية، لكن الحزن الذي سيطر على ملامحه كان يفضحه، حيث بدا واضحا أنه غاضب الى أبعد الحدود من نتيجة الانتخابات، ففي الوقت الذي حافظت فيه التيارات السياسية الأخرى من الثنائي الشيعي الى التيار الوطني الحر على عدد نوابها، وضاعفت القوات اللبنانية من عدد نوابها، كذلك حصول الرئيس نجيب ميقاتي على نصف عدد نواب طرابلس، خسر الحريري 15 نائبا، وخسر معهم صفة التنوع فتحولت كتلته الزرقاء الى كتلة من لون طائفي واحد ولم يعد تيار المستقبل من خلالها عابرا للطوائف.
تشير المعلومات الى أن قرارات الاعفاء وحل بعض المنسقيات التي إتخذها الحريري كانت مبنية على وقائع وتقارير وصلته من جهات عدة، وأن ثمة قرارات جديدة ستصدر خلال الساعات المقبلة وستطال دفعة جديدة من الاعفاءات والاقالات لا سيما في الدوائر التي شهدت خللا في العملية الانتخابية.
وتقول هذه المعلومات أن إعفاء وسام الحريري من مهامه في إدارة الماكينة الانتخابية كان بسبب فشل هذه الماكينة في إصدار النتائج بشكل سريع، حيث تعطلت أجهزة الكومبيوتر بعد منتصف الليل، في الوقت الذي كان فيه الحريري في قمة القلق والارباك ويريد الحصول على نتائج صناديق الاقتراع بأي ثمن، لكن ماكينته الانتخابية خذلته.
أما ماهر ابو الخدود (مدير دائرة المتابعة في مكتب الحريري) فهو موجود بتصرف الرئيس الحريري منذ سنوات، وكان صلة الوصل بين تيار المستقبل ووزارة الداخلية، لكن بحسب مقربين من الحريري فإنه كان يتمرد على كثير من القرارات التي تصله بشكل لم يعد زعيم المستقبل قادرا على إستيعابه.
وجاء حلّ بعض المنسقيات بسبب عدم تنفيذها لتوجيهات الرئيس الحريري، فمنسقية بيروت أظهرت قدرة تمثيلية ضعيفة جدا وفشلت في رفع الحاصل الانتخابي الذي كان يتطلع إليه الحريري لتحقيق فوز نائب إضافي، وتبين أن منسقيات الكورة وزغرتا والبقاع لم تلتزم باعطاء الصوت التفضيلي للمرشح الذي إختاره الحريري، في حين نأت منسقية راشيا بنفسها عن مواجهة حركة أمل وأظهرت ضعفا في حضورها على الأرض ما أفقدها الكثير من القدرة على تجيير الأصوات.
أما قضية إستقالة نادر الحريري فثمة إجتهادات عدة حيالها، فهناك من يؤكد بأن السعودية تربط إعادة دعم الحريري بتخليه عن نادر الذي شكل رأس حربة مع حزب الله والتيار الوطني الحر في الدفاع عنه خلال أزمة إحتجازه في السعودية لذلك قرر نادر الاستقالة وعدم إحراج إبن خاله سعد، فيما يؤكد آخرون أن ثمة خلافا بدأ بين نادر الحريري والوزير جبران باسيل وتطور الى حدود اللاعودة، وأن مسار العلاقات المستقبلية بين الرئيس الحريري وباسيل تتطلب خروج نادر من هذه الدائرة.
وهناك من يروج بأن ثمة خلافا بين سعد ونادر حول كثير من الأمور، وأن نادر يريد العودة الى أعماله وإدارة شركاته والمشاريع التي يشرف عليها، فيما يقول آخرون أن علاقة نادر مع حزب الله باتت مكشوفة ولم يعد هناك قدرة على إستمراره في منصبه كمدير لمكتب الرئيس الحريري.
في كل الأحوال ومهما كانت الأسباب، فإن ما قام به الحريري أحدث نوعا من الرعب في صفوف المستقبل خصوصا في ظل الحديث المتنامي أن مقصه سيصل الى كثير من المناطق وسيطال رؤوسا كان تظن بأنها محصنة.
ويقول أحد قيادات المستقبل لـ “سفير الشمال”: ما يحصل هو عمل تقييمي، وخلال التقييم هناك من ينجح وهناك من يرسب، والراسب من المفترض أن يحاسب وأن يفسح المجال أمام غيره من القادرين على العمل والانتاج، وهذا التقييم مستمر والحساب سيشمل كل المقصرين، وبعد ذلك سيكون الاتجاه الى المكتب السياسي لاعادة النظر ببعض القرارات، وتفعيل آليات المحاسبة.