عدّة قراءات قُدِّمت إلى الآن للإضاءة على الأسباب الحقيقية وراء إستقالة مدير مكتب الرئيس سعد الحريري ، الأستاذ نادر الحريري ، من كافة مهامه ومسؤولياته .
البعض وضعها في سياق النكسة الإنتخابية التي تعرّض لها تيار المستقبل في إنتخابات ٦ أيار ٢٠١٨ ، وآخرون إعتبروها إستجابة من سعد الحريري لضغوطات سعودية لطالما تحفظّت على أداء نادر الحريري وطريقة إدارته للملفات السياسية في التيار .
لكن ، الحريري خرج عن صمته في الساعات الماضية ، وألمح إلى أن القرار مرتبط بنتائج الإنتخابات .
وبعيدا عن القراءات المختلفة ، ومدى صدقيتها أو كذبها ، لا بدّ من تسليط الضوء على التفاهمات السياسية التي حاكها نادر الحريري في السنوات الماضية .
وأهم هذه التفاهمات ، هي التي عُقدت بينه وبين وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأنتجت تسوية رئاسية أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا ، وتسوية حكومية أعادت رئاسة الحكومة لسعد الحريري .
لكن رغم نفي كل من التيارين الأزرق والبرتقالي وجود تفاهمات تتجاوز إنتخاب ميشال عون ، إلاّ أن طريقة إدارة البلد في سنوات ما بعد التسوية الرئاسية أكدّت وجود ما هو غير معلن .
إقرأ أيضا : ورشة الحريري الإصلاحية داخل تيار المستقبل ... أولى تداعيات نتائج الإنتخابات
فهذه التفاهمات تحكّمت بالملفات الحكومية وبكل تفصيل ، صغير أو كبير ، ويتهم خصوم نادر الحريري بأنّه ورّط سعد الحريري في الكثير من الملفات ، وقدّم تنازلات كبيرة لباسيل ، جعلت حتى الرئيس نبيه بري يُعرب عن إنزعاجه .
وبدا الحريري في آخر عامين بمظهر المستسلم لطلبات باسيل ، وجاراه في الكثير من الملفات ، حتى أنّه دعا أبناء الشمال إلى إنتخابه .
لكن بعد الإنتخابات ، يبدو أن الحريري إستيقظ على وقع النكسة التي تعرّض لها رغم المكابرة التي يُظهرها ، وأدرك أن هذه التفاهمات هي السبب الرئيسي في خسارته ، كون باسيل أخذ من حصته النيابية لا من حصّة خصومه ، كذلك إستفاد وزير الخارجية من مهادنة الحريري له ، فأخذ يتغلغل في مؤسسات وإدارات الدولة .
إقرأ أيضا : مروحة الاستقالات لم تنته بعد ونادر الحريري سبق أن قدم إستقالته أكثر من مرة
اليوم ، إستقال نادر الحريري ، والأمر سواء كان متعلّق بالسعودية أو بالإنتخابات ، فالنتيجة واحدة ، وهي أن هذا التفاهم تعرّض لضربة قاسية ، وإن كان من المبكر الحكم عليه أنّه ميّت.
وبعد إنتهاء الحريري من ورشته الإصلاحية الداخلية ، سيكون مع موعد آخر وقرارات جريئة وشُجاعة أخرى لتعديل هذه التفاهمات ، من أجل مصلحة تيار المستقبل ومصلحة البلد ومستقبل زعامته .
ولا شك أنّ سعد الحريري في الأوقات الصعبة سيتخذ القرارات الجريئة التي ستحمي إرث والده ومشروع الدولة .