عاشت المنطقة منذ أيام قليلة ولساعات بدت طويلة وكأنها تتدحرج نحو حرب شاملة ومدمرة. وبدت الأمور وكأنها أفلتت من عقالها بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتجميد التفاهم حول الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأحادي منه وتعليق العمل به والذي رحبت به إسرائيل معلنة حال الحرب على التوسع الإيراني في الداخل السوري بفارق دقائق على صدوره. حيث أعلنت حالة الطوارئ داعية السكان في الجليل الأعلى والشمال الإسرائيلي إلى فتح الملاجىء. واتخذت إجراءات استثنائية لتشمل منطقة الجولان المحتل. وذلك بعد سقوط عشرات الصواريخ الإيرانية التي انطلقت من منصات للصواريخ تتمركز في أماكن متفرقة على الأراضي السورية والتي لم يصل مداها لأبعد من الجولان وسقط بعضها في الجنوب اللبناني في خراج بلدة الهبارية. والذي أتى بعد أقل من أربعة وعشرين ساعه على قيام إسرائيل بقصف صاروخي مستهدفة مواقع عسكرية إيرانية ومستودعات للذخيرة في منطقة الكسوة في ضواحي دمشق. ذلك قبل ظهور الوضع وكأنه في حالة انفلات على طول جبهة الجولان ولمدة ثماني ساعات. حيث أقدمت القوات الإسرائيلية خلالها على استخدام كافة أنواع الأسلحة وعدة الحرب كاملة من بينها غارات جوية قامت بها عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية والصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى. وألقت بحمم نيرانها على عشرات المراكز والمواقع العسكرية الإيرانية التي تسلمتها وحدات من الحرس الثوري الإيراني وحلفائه المنتشرين على معظم الجغرافيا السورية بمن فيهم "حزب الله " اللبناني وبعض الميليشيات المسلحة العراقية من النظام السوري.
إقرأ أيضًا: سلاح الحزب أبدي سرمدي
فإيران ، وبعد تلقيها ضربات صاروخية إسرائيلية موجعة لعدد كبير من مراكزها العسكرية في سوريا طوال عدة سنوات قررت الرد على الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة. فأطلقت نحو عشرين صاروخا سقط معظمها داخل سوريا في ما اعتبر تصعيدا إيرانيا غير مسبوق. قابلته إسرائيل بتصعيد أيضا غير مسبوق باقدام قواتها على شن ضربات صاروخية واسعة النطاق مستهدفة ما يزيد عن خمسين مركزاً عسكريا إيرانيا في سوريا اتخذ شكل التطور الخطير في حرب غير مباشرة في محاولة كل من الطرفين الإسرائيلي والإيراني لتغيير قواعد الاشتباك لصالحه. ذلك أن طهران أدركت أن إسرائيل وخلال السنوات الماضية فرضت قواعد اشتباك جديدة مكنتها من ضرب الأهداف التي تحددها في سوريا دون أن تواجه بأي رد عليها. فأرادت "إيران " أن تغير تلك القواعد بإطلاق عدد من الصواريخ عبر تنظيماتها المسلحة التابعة لها في "سوريا"، ردا على إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية. الأمر الذي دفع بإسرائيل لتثبيت قواعد الاشتباك تلك. وذلك بشن أوسع هجوم عسكري على مواقع في سوريا منذ حرب تشرين في العام 1973.
لكن يبدو الأمر بالنسبة لإسرائيل محسوما في عدم التنازل عن سياستها في توجيه ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية متى أرادت ذلك. سيما وأنها تمتلك المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والكافية والمطلوبة للمضي في توجيه مثل تلك الضربات مستفيدة من الدعم الأميركي لها خاصة بعد إنسحاب الرئيس الأميركي من الإتفاق النووي. وبعد أن أصبح تحجيم الوجود العسكري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط على رأس الاهتمامات الأميركية.
اما الردود الإيرانية فإنه من المتوقع أن تبقى محصورة ضمن نطاق الحرب الهجينة. ولا تصل إلى حدود إلحاق أضرارا كبيرة بإسرائيل وايقاع الأذى ببنيتها العسكرية. وهي وجدت نفسها مضطرة لإطلاق بضعة صواريخ باتجاه إسرائيل دون أن تخترق حدودها. وذلك فقط لحفظ ماء وجهها أمام اللاحقين بركابها بعد رفع سقوف تهديداتها العالية النبرة بإزالة إسرائيل من الوجود.