وقفت هبة وراء العازل متأملةً وجوه المتنافسين، وأعادت شريط ذاكرتها لأيام ما قبل الانتخابات... والدتها قالت لها انتخبي فلان "لأنه ابن علان ومن عائلتنا". والدها طلب منها الاقتراع لمرشح الحزب الذي ينتمي له، وشقيقها نصحها بالتصويت لأحد رجال الأعمال لأنه يملك سلسلة شركات على أمل أن يؤمن لها عملاً ما.
أطالت هبة التأمل، صرخ رئيس القلم من خلف العازل "يلا يا بنتي"، قاطعاً عليها سلسلة أفكارها، وعندما عادت للواقع تذكرت أنها تخرجت منذ 4 سنوات ولا زالت عاطلة عن العمل. تذكرت أكياس النفايات التي تُغرق شوارع حيّها المتواضع، تذكرت طفلة شقيقتها التي ذهبت ضحية رصاص طائش أطلقه "مجهولون"، عقب خطاب أحد الزعماء. وتذكرت جدتها التي ماتت على باب المستشفى لأنهم لم يستطيعوا تأمين المبلغ المطلوب لإدخالها.
عندها قررت أن تختار لائحة بريئة من كل ما سبق، ونواب لم يلطخوا أيديهم بمعاناة اللبنانيين وشقائهم، ومنحت صوتها لمن يشبهها بلقمة عيشها. اختارت "كلنا وطني" ومنحت صوتها التفضيلي لرأس اللائحة، لأن الإعلام لم يسمح لها بالتعرف على هؤلاء المرشحين جيداً، ولذلك كان اختيارها عشوائياً.
هذا التحالف الذي استطاع بفترة قياسية، إذ لا يتجاوز عمره الشهرين، أن يحقق تحالفاً على مستوى لبنان من 66 مرشحاً موزعين على 9 دوائر. وتمكّن على الرغم من ظروف المعركة غير العادلة أن يحجز لنفسه مقعداً في برلمان 2018.
بحث "ليبانون ديبايت" في أرقام وزارة الداخلية عن الأصوات التي استطاع التحالف جمعها في الدوائر التسع، وجاءت النتيجة كما يلي: في بيروت الأولى حصدت لائحة كلنا وطني 6,842 صوت من أصل 44,714 مقترع. وكان الفوز لصالح الإعلامية بوليت ياغوبيان عن مقعد الأرمن الأرثوذكس بـ 2,500 صوت. وفي زحلة 1,599 صوت من أصل 94,082 مقترع. في كسروان، جبيل 2,526 صوت من أصل 117,603 مقترع.
وفي المتن 5,027 من أصل 92,446 مقترع. في بعبدا 4,992 صوت من أصل 80,052 مقترع. وفي الشوف ــ عاليه 9,987 صوت من أصل 173,320 مقترع. وفي طرابلس، المنية، الضنية 2,680 صوت من أصل 151,729 مقترع. في زغرتا، بشري، الكورة، البترون 3,160 صوت من أصل 117,811 مقترع. وفي بنت جبيل، النبطية، مرجعيون وحاصبيا 2,262 صوت من أصل 228,563 مقترع.
وفي عملية حسابية بسيطة يتبين أن تحالف كلنا وطني حصد 39,075 صوت على مستوى كل لبنان من أصل 1,863,223 مقترع، أي ما يوازي 2,01 % من أصل 49,7 % نسبة الاقتراع العامة في الانتخابات النيابية 2018.
يؤكد الاستاذ الجامعي جيلبيرت ضومط، كان مرشح "كلنا وطني" عن المقعد الماروني في بيروت الأولى، أن الربح ليس فقط بعدد المقاعد "الربح أنه للمرة الأولى يكون هناك تحالف غير طائفي على امتداد البلد تحت نفس الاسم، وأن ينتخب ما يقارب 40 ألف لبناني مبادئ ومشروع هذا التحالف، وهو رقم يوازي معظم الأرقام التي حصدتها الأحزاب السياسية".
ويضيف في حديثه لـ"ليبانون ديبايت"، "والربح أن نخرق بنائب بالرغم من شراسة المعركة ومن استعمال المنافسين كل موارد السلطة، وشراء الأصوات، وفشل هيئة الانتخاب، والتعتيم الإعلامي على المرشحين المدنيين، فهناك ناس لا تعرف حتى الساعة أنه كان يوجد لديها خيار بديل اسمه كلنا وطني".
بالإضافة لكل ما سبق، والتي هي أسباب ساهمت بتكبيل "كلنا وطني" ومنعه من الخرق بأكثر من مقعد، يأتي جو الاستسلام الذي جهد الإعلام بالتسويق له عبر التهويل واستهداف التغيير على أنه أمر غير ممكن في لبنان، ما ساهم بانكفاء الناس عن التصويت واستسلامهم للأمر الواقع. علما أن القانون كان سيئاً وأكثري أكثر منه نسبي، وسُجّل كمّ هائل من التجاوزات والمخالفات، ما يضع إشارات استفهام على النتائج ويزرع حولها الشكوك. وهذه أمور لا يتحمل "لوطني" مسؤوليتها، وفقاً لضومط.
أما نقاط الضعف التي يتحمل لوطني مسؤوليتها هي "التأخر بإعلان لوائحنا، وضيق الوقت المتاح أمامنا، ونقص الموارد البشرية والمادية، ما ساهم بعدم قدرتنا على تحفيز أكبر عدد من الناس الذين لا ينتخبون عادة. كما لم يكن جميع مرشحينا بنفس الحماسة والجهوزية للمعركة". وهي النقاط التي سيتعلم منها التحالف في المرات المقبلة.
وعما يمكن أن يفعله المجتمع المدني في البرلمان بنائب واحد، يقول ضومط "نعم نستطيع، ومنذ يومين عقدنا أول لقاء لنا بعد الانتخابات لتنظيم دورنا كمعارضة من خارج المجلس عبر كوادرنا ومن داخل المجلس عبر بولا، ما يعني أنه سيكون لدينا دور على الصعيد النيابي والمحاسبة والعلاقة مع الناس، وسنعمل للضغط بنفس الوقت للعب دور تشريعي موازي للمجلس".
وفي تقييم الارقام التي حصدتها لوائح "كلنا وطني" يرى ضومط أنها نتائج مشجعة "حظوظنا مرتفعة لأن الاحزاب ضعفت أصواتها بشكل لافت، والجو العام بات ينحاز لنا، ولدينا فرصة كبيرة لحصد المزيد من الأرقام والمقاعد بعد 4 سنوات في المحطة النيابية، وقبل الـ4 سنوات في محطات مهمة مثل مجلس الوزراء والنقابات والبلدية".
وعن نائب التحالف، يلفت ضومط إلى أن ياغوبيان أعلنت أنها لن تكون ضمن أي كتل سياسية غير كلنا وطني "وسنعمل كفريق واحد من خلالها داخل المجلس، كما سيتم التنسيق مع أشخاص آخرين في المجلس قريبين منا، سنفصح عن أسمائهم في الوقت المناسب".